مبروك للفائزين!الجمهور العام
شكرًا على مشاركتكم. أنتم أبطالنا!
الأردن|الجمهور العام
البطل ابي
Hadia Farah
تأليف Hadia Farah
البطل ابي

البطل ابي نموذج للأبوة والقدوة
الأبطال في حياتنا ليسوا دائماً أولئك الذين نراهم على شاشات التلفاز أو نقرأ عنهم في الكتب. أحياناً يكون الأبطال أشخاصاً عاديين يعيشون بيننا يؤثرون في حياتنا بشكل عميق ودائم. بالنسبة لي، بطلي هو أبي. أبي ليس مجرد والد، بل هو مثال للأبوة الحقيقية وقدوة تلهمني كل يوم.
الأب هو السند القوي، والعضد الحنون، والقدوة الحسنة، وهو رمز الأمان والحماية للأبناء. في هذه المقالة، سأتحدث عن أبي، بطلي الذي ألهمني وأرشدني في رحلة حياتي. قصته تمثل قدرة الإنسان على تحقيق المستحيل بتصميم وإرادة قوية. فما فعله يُجسد معنى التضحية والحب والعطاء من أجل أبنائه. رغم الفقر الذي لم يُكن عائقًا أمام تحقيق احلامه، فبفضل التصميم والإرادة القوية، تمكن من التغلب على جميع الصعوبات وتحقيق النجاح.
منذ صغري، كان أبي يعلمني دروساً قيّمة في هذه الحياة. لم يكن يكتفي بإعطائي النصائح، بل كان يعلمني بمواقفه حسن التصرف في كل موقف يوجهني .ولطالما كان أبي رمزاً للقوة والحكمة في حياتي. كانت تربيته لي ليست مجرد واجب، بل كانت رحلة مليئة بالحب والتفاني والاهتمام. من خلال هذه الرحلة، تعلمت منه الكثير من القيم والدروس التي شكلت شخصيتي وساعدتني في مواجهة تحديات الحياة.
لم كانت الظروف المادية الصعبة عائقاً أمام العزيمة والإصرار لديه ، بل كان أبي هو خير من تأقلم معها . حيث نشأ أبي في بيئة فقيرة وعانى الكثير في سبيل توفير حياة كريمة لأسرته حيث كان يعيل جدي وجدتي وعائلتنا وهنا سأروي قصة كفاحه التي تلهمني وتجعلني أقدّر كل ما قدمه لنا.
في البداية ولد أبي في قرية صغيرة تعاني من قلة الموارد والفرص. كانت عائلته كبيرة ومواردهم محدودة، مما اضطره للعمل منذ صغره لتوفير لقمة العيش. التحق بالكتاب لفترة قصيرة، لكنه اضطر لتركه لمساعدة أسرته. ورغم الظروف الصعبة، لم يستسلم أبي لها بل جعل منها دافعاً وحافزا لتحقيق الأفضل له ولعائلته.
وبعدما ترك ابي الكتاب، عمل في وظائف منها العمل في شركة تعبيد الطرق في أحد أركان قريتنا، ويحكى أن الفجر في قريتنا لا ينير السماء إلا بصوت ابي وهو يستعد ليوم شاق آخر في تعبيد الطرق. وهو يلبس حذاءه الثقيل، ويحمل أدواته، ويخرج من باب البيت والأمل يتراقص في عينيه كأنه قطعة من النور. للوهلة الأولى يبدو العمل شاقًا والطريق طويلاً، لكن ابي يواصل المسير بكل إصرار وتفاؤل حيث الشمس تحتضن الأرض بحرارة وتفرش السماء بألوانها الذهبية، ويقف ابي بكل ما فيه من عزيمة واصرار، يشق الطرق ويقوم بتعبيدها مع رفاقه. نعم انه ابي، الذي ينهض بالفجر قبل أن يبزغ ضوء النهار، متسلحًا بإرادته الطيبة القوية وحلمه بمستقبل أفضل لأبنائه. إن عمله ليس مجرد مهنة، بل هو رسالة حب وإخلاص، تذكرة لنا جميعاً إلى عالم يعج بالتحديات والأمل.

كان عمل ابي غير عادي؛ فهو يتطلب ليس فقط القوة البدنية، بل الصبر والإرادة. كل يوم، يواجه تحديات جديدة، من التغلب على الصخور الكبيرة إلى التعامل مع التربة الصلبة. ومع ذلك، يجد في هذه التحديات فرصة ليعلمنا درسًا جديدًا في الحياة؛ العمل الشاق هو جسر نعبر به نحو تحقيق أحلامنا.
ابي علمنا أن كل طريق معبدة وجميلة كانت نتاج عمل شاق وجهد لا يعرف الكلل أو الملل. وأن وراء كل إنجاز قصة كفاح لم تروى، وأن النجاح لا يأتي إلا بالإصرار والصبر. والأهم من ذلك، أن قيمة الإنسان لا تقاس بما يملك، بل بما يساهم به في بناء مجتمعه والعالم.
ابي لم يرث لنا ثروة مادية، ولكنه ترك لنا إرثًا أعظم بكثير؛ العمل النزيه، الإخلاص في العطاء، والإيمان بقوة الإرادة. ربما لن يُكتب اسمه في كتب التاريخ، لكنه اسم محفور في قلوبنا وعقولنا، رمز للكفاح والصمود أمام تحديات الحياة.
ابي امتهن شق الطرق وتعبيدها مهنة والتي لا يتغنى بها الناس، لكنها بالنسبة لنا، لوحة فنية تجسد الكفاح والأمل. عمل ابي الشاق هو بمثابة تذكير بأن كل خطوة مهما كانت صغيرة، تقربنا من تحقيق أحلامنا. وفي كل مرة أنظر إلى طريق معبدة، أتذكر ابي وأدرك أنني، أيضًا، قادرة على شق طرقي نحو أحلامي.
كما عمل ابي الزراعة حيث يمتزج همس الرياح بأصوات الأغنام والتربة الخصبة، يقف أبي بكل فخر وتواضع، يرعى الاغنام المزارع الماهر. تتسع روحه لتحتضن السماء والأرض، يعمل من شروق الشمس حتى غروبها، مؤمنًا بأن قيمة الإنسان تكمن في عرق جبينه ومحبته للأرض. هذه رحلة عمل ابي عبر دروب الحياة، دروس في الصبر والمثابرة، وأغنية حب ابي للطبيعة.
كعادته يفيق مع نسيم الفجر البارد، يبدأ يومه بإطعام الأغنام والعناية بهم، متجولا بين الجبال والوديان، يقود قطيعه إلى المراعي الخضراء. تلك اللحظات الصباحية الهادئة تمنحه سكينة لا توصف، يستمد منها القوة لمواجهة تحديات يوم جديد.
لم يكتف ابي برعي الأغنام، فهو يعشق الأرض بكل ما فيها من حياة. يعمل في ارضنا المجاورة لبيتنا يزرع الزيتون والتين والعنب مستخدما كل بقعة خصبة لتقديم أطيب الثمار. يؤمن بأن الأرض أم حنون، تعطي بلا حدود لمن يحسن العناية .
يحفل عمل ابي بتحديات عدة؛ من تقلبات الطقس التي قد تهدد المحاصيل، إلى الاهتمام بصحة الأغنام في فصول السنة المختلفة. لكنه لم يتوانى أو يستسلم يوما . ففي كل تحدي يرى فرصة للتعلم والنمو. تحفزه الرغبة في توفير حياة كريمة لأسرته والحفاظ على إرث الأجداد.
وفي كل مرة يعلمني ابي أن الحياة البسيطة تحمل في طياتها سعادة عميقة ورضا لا يوصف. وان أهمية الصبر، العمل الجاد، والتواضع. الزراعة ورعي الأغنام ليست مجرد مهن، بل هي أسلوب حياة يعزز الارتباط بالطبيعة وينمي الوعي بأهمية الحفاظ عليها.وفي كل مرة أتأمل الحقول الخضراء وأستمع إلى صوت الأغنام الهادئة، أشعر بامتنان عميق لابي ولكل الدروس التي علمني إياها. إنه بطل في نظري، بعمله الشاق وقلبه الواسع، يذكرنا بأن الحياة الجميلة تتطلب عملاً دؤوبا وإيمانا راسخا بقيمة ما نفعل.

فعمله في رعي الأغنام والزراعة هو تجسيد لمعنى الحياة الحقيقية، حياة تسودها المحبة والعمل الجاد والتواصل العميق مع الطبيعة. ابي عاش حياة بطريقة تلهمنا جميعا لنتعلم من صبره وتفانيه في العمل.
وفي مرحلة لاحقة من حياته، حصل أبي على وظيفة كحارس مدرسة،قام أبي بأدائها بكل إخلاص وتفانٍ. كان يستيقظ قبل الفجر ليقوم بواجباته، وكان دائماً ما يكون آخر من يغادر المدرسة، ساعياً لتوفير بيئة آمنة ونظيفة للطلبة .
ورغم كل المصاعب التي واجهها ابي، بذل قصارى جهده لتوفير فرصة تعليمية أفضل لنا نحن أبنائه. كان يعمل لساعات طويلة ويوفر كل ما يمكنه من تدريس إخوتي. كان يقول دائماً أن التعليم هو السبيل الوحيد للخروج من دائرة الفقر وتحقيق الذات والرقي بالمستوى الأخلاقي والاجتماعي لنا.
وهكذا مرت الايام والسنين ونحن الحمد لله نكمل تعليمنا واحد تلو الآخر حيث ان بعضنا اكمل دراساته العليا وحصلنا على مواقع وظيفية واجتماعية جيدة وهكذا اصبحنا بفضل الله تعالى ثم ابي رحمه الله.
وهنا يستحضرني الحديث أن تأثير ابي على شخصيتي فمنذ نعومة أظافري، كان وما زال تأثير عميقا طيبا. حيث انه رحمه الله كان يخصص لي وقتاً يومياً ليس فقط لمساعدتي في دراستي أو للعب معي، بل أيضاً للتحدث والاستماع إلى أفكاري وأحلامي. كان يشعرني دائماً بانني مميزة ويحفزني ويدعمني ويقوي من عزيمتي واصراري.
ابي هو البطل فغالبًا ما كان مصدرًا رئيسيًا للقيم والمبادئ التي تعلمتها انا واخوتي .فهو من عزز فينا الصدق، والأمانة، وحب العدل، والعمل الجاد من خلال أفعاله وتعاملاته. وعلمنا أهمية الاحترام والتعاطف مع الآخرين، مما ساعدنا على بناء شخصياتنا القوية والمستقيمة.
وهومن علمنا كيفية الاعتماد على أنفسهم واتخاذ قراراتنا بثقة. حيث أنه قدم لنا التوجيه والإرشاد و شجعنا أيضًا على تجربة الأشياء بأنفسنا والتعلم من أخطائنا. ابي كان الداعم الأول في تحفيزنا على التعليم والتحصيل العلمي. و السعي نحو التفوق والنجاح، وهذا كان سبب في فتح أبواب الفرص الوظيفية والمهنية لنا.
نعم أبي هو معلمي الأول والأعظم. في كل مواقفه وتصرفاته، تعلمت منه العديد من الدروس الطيبة . وكان يقول دائماً أن الصدق هو أساس الثقة، وأن الأمانة هي مفتاح النجاح في الحياة. كنت أراه دائماً يلتزم بوعوده ويتصرف بنزاهة، مما غرس في نفسي هذه القيم وجعلني أعتبرها جزءاً لا يتجزأ من شخصيتي ،وكان ابي قدوة لنا في مواجهة التحديات والصعوبات. من خلال رؤيتنا لكيفية تعامله مع المشاكل والأزمات، علمنا كيفية التحلي بالصبر والإصرار وعدم الاستسلام. ساعدنا في تطوير قدراتنا في حل المشكلات والتكيف مع الظروف المختلفة.واضافة لهذا كان داعماً عاطفياً لا يقدر بثمن. موجودًا دائما للاستماع، وتقديم النصيحة، و مصدرًا للراحة في الأوقات الصعبة. وهذا مما عزز ثقتنا بأنفسنا وساعدنا على تجاوز الفترات الصعبة في حياتنا. حيث أن علاقتنا به كانت علاقة صحية متينه واثقة تقوم على المودة والرحمة والمحبة.
ابي قدم الكثير من التضحيات من أجل رفاهيتنا وسعادتنا .وهذه التضحيات زرعت فينا قيمة التفاني والعطاء، و علمتنا اهمية التضحية من أجل الآخرين. وعلمتنا أن النجاح لا يأتي دون جهد وأن العمل الجاد والتفاني هما مفتاحا النجاح. وان التحلي بالمسؤولية في كافة جوانب الحياة هو الطريق الاسرع للوصول الى الهدف وتحقيق الذات والمساهمة في عملية بناء المجتمع المتكامل المترابط.
وهكذا مرت سنون العمر في نسيج الحياة الطيبة، حيث تتشابك خيوط الألم والأمل واقتربت النهاية قصه التي احزنت قلوبنا بعمق وتبقى محفورة في ذاكرتنا للأبد. ابي غادر عالمنا قبل عام ونيف .فمنذ اللحظة التي عرفنا فيها بإصابة ابي بالمرض، وكأن سحابة من الصمت الثقيل راحت تغلف أرواحنا. كانت رحلته مع المرض صعبة ومؤلمة. رغم الألم الذي كان يشعر به، إلا أن ابي كان يحمل في داخله قوة هائلة وإيمانًا راسخًا لم يفارقه حتى لحظاته الأخيرة.
ابي بصبره وإيمانه، كان يشع نورًا في كل مكان يحل فيه. لم يكن يشكو أو يتذمر؛ بل كان دائمًا يردد أن هذه إرادة الله ويجب علينا قبولها بقلوب راضية. في كل مرة أزوره، كان يبتسم رغم الألم، محاولًا رسم الابتسامة على وجهي. كانت روحه القوية وإرادته الحديدية في مقاومة المرض تلهمنا جميعًا لنكون أقوى وأكثر صبرًا.
ابي تعلمت منه الكثير. تعلمت أن القوة ليست في مدى الصحة الجسدية، بل في الإرادة الروحية والعقلية. تعلمت أن الحياة، مهما كانت قاسية ومليئة بالتحديات، تحمل بين طياتها دروسًا هامة. تعلمت كيفية النظر إلى العالم بعيون مفعمة بالأمل والإيمان بالقدر، حتى في أصعب الظروف.
لم يكن وداعنا الأخير مع ابي سهلاً؛ بل كان أحد أصعب اللحظات التي مررنا بها كعائلة.غادرهذا العالم بجسد ضعيف، ولكن بروح قوية، كان درسًا في حد ذاته. في الصبر وقبول القدر بقلب راض.
عام ونيف مضى منذ رحيل ابي، ولكن ذكراه ما زالت حية تنبض في قلوبنا. ما زلنا نتعلم من صبره وروحه القوية كل يوم. ابي ترك وراءه إرثًا من القوة، والإيمان، والحب يستمر في إلهامنا. إن قصته ليست فقط حكاية عن المرض والرحيل، بل هي قصيدة الحياة والأمل، تذكير بأن الصبر والإيمان يمكن أن يحولا الألم إلى قوة تمنح الحياة معنى أعمق.
في النهاية، يمكن القول إن تأثير أبي بطلي يمتد ليشمل كافة جوانب حياتنا ، ويشكل الأساس الذي بنينا عليه شخصياتنا ومستقبلنا. وهذا التأثير العميق ساهم في تكوين كأفراد قادرين على تحقيق النجاح والسعادة في حياتهم الشخصية والمهنية.



وتعلمت من حياة أبي العديد من الدروس فهو من علمني أن العمل الشاق والإصرار يمكنهما تجاوز أصعب الظروف. علمني أن القيم والأخلاق هي ما يميز الإنسان، بغض النظر عن مكانته أو وضعه المالي. وأهم درس علمني إياه أبي هو أن التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكن أن يغير حياة الفرد . وانا أعتز كثيراً بما قدمه لنا وأفتخر بأنه قدوتي في الحياة. وبفضل تضحياته وإصراره، تمكننا من تحقيق الكثير، وسيظل دوماً مصدر إلهامي ودافعي لتحقيق المزيد.
وهنا يمكن القول إن تحدي الفقر الذي واجهه ابي هو رحلة طويلة وشاقة، مليئة بالتحديات والتضحيات. و قصته تعكس قوة الإرادة والصمود والتفاني في سبيل تحقيق حياة أفضل للأسرة. وتجسد قصة كفاح و قيمًا نبيلة تستحق التقدير والاحترام. لما تحلى به من قوة وصبر وإخلاص أبي هو بطلي الحقيقي، فهو ي مصدر الهامي وأنا فخور جدًا به. سأسعى دائمًا لأكون مثل أبي، وأن أحمل صفاته النبيلة، وأن أكون شخصًا نافعًا للمجتمع. رحم الله ابي وغفر له.