مبروك للفائزين!الجمهور العام
شكرًا على مشاركتكم. أنتم أبطالنا!
الأردن|الجمهور العام
الطبيب الإنسان
nadine soudi
تأليف nadine soudi
الطبيب الإنسان

عبر التاريخ الإنساني، زخرت الروايات والأساطير وحتى الموروث الثقافي بنماذج مختلفة من الأبطال. وعاشت البشرية والحضارات على فكرة وجود البطل الذي يأتي لينقذ الناس ويحقق امالهم واحلامهم. ورغم اختلاف القصص واختلاف الناس يظهر البطل بشكل شخص يحمل صفات خارقة لا يحملها الكثيرون. ولكن من المؤكد أن كل بطل في هذه الروايات كانت تجمعهم صفات أهلتهم لهذه المهمة. فمن هو البطل؟

رغم ان صفات الأبطال نادرة ولا تكون موجودة بين الجميع، إلا أني اعتبر كل فرد في موقعه بطل؛ فالأم بطلة في رعاية اطفالها وبيتها، والأب ببناء الأسرة، والأطباء والمهندسين وعمال الوطن، كل في موقعه. مع ذلك يبقى وجود أشخاص مميزين، يحفرون أماكنهم في قلوب من حولهم ومن يسمع عنهم.

وحين نذكر تلك النماذج التي كان لها أثر على حياتنا، يظهر أشخاص معينين ممن عايشناهم او كنا نسمع بهم. وإذا سئلت عن البطل فقد يتصدرهم والدي. ولا عجب بأن تكون الفتاة بأبيها معجبة، وأن يكون هو اول النماذج من الأبطال التي تعايشهم. لم يكن والدي شخص مميز لي ولعائلتي وحسب، بل كان كذلك لكل شخص عرفه.

كان والدي يتميز بهدوئه وحكمته، كما أنه كان ودودا ومبتسما دائما. ومن الجدير بالذكر، حبه لمساعدة الآخرين، كان جزءا أساسيا من شخصيته. ولن يكون غريبا إذا قلت أنه كان طبيبا، فقد امتهن الطب عن حب وشغف منقطع النظير. كان حبه لمهنة الطب فطريا، وجزء من كينونته كإنسان. شغفه في علاج المرضى ومساعدة من كان بحاجة وتخفيف الألم كان ينبع من إيمانه أن مهنة الطب هي مهنة إنسانية بحتة.

على حسب روايات جدتي، كان متعلق كثيرا بلعبة حقيبة الطبيب التي أحضرتها له في صغره. وكبر وكبر حلمه معه في أن يصبح طبيبا، وذهب ليدرس الطب في الاتحاد السوفيتي، ومن ثم يعود إلى الأردن وينضم إلى فريق الأطباء في الخدمات الطبية الأردنية. كان جراح عظام مختص في جراحة العمود الفقري. عمل في القطاع الحكومي في عدة مستشفيات اهمها مدينة الحسين الطبية على مدى سنين طويلة اكتسب من خلالها خبرة كبيرة ومجال واسع لخدمة المرضى في المجتمع.

بعيدا عن عمله الذي كان جزءا لا يتجزأ منه، كان أبا حنونا ومعطائا وطيب المعشر. كان داعما لنا في كل مجالات الحياة سواء كانت المهنية أو الشخصية. ولم يكن كذلك لعائلته المقربة فقط، بل كان كذلك للعائلة الممتدة ولمعارفه وأصدقائه. كان سندا لكل فرد من افراد العائلة تجده إلى جانبك بكل الأوقات.

وبما أني كنت ابنته الوحيدة، كانت تجمعني به علاقة مميزة. كانت تجمعنا الكثير من النقاشات، أكثر ما أحب أن أسمع رأيه في كل الأشياء. نظرته للأمور شاملة فلا يتسرع بإعطاء الأحكام وإتخاذ القرارات. كنت أحب تواضعه الذي كان يطغى على كل جوانب حياته. اجتهاده في عمله، واستثماره للوقت كانت من الدروس المهمة التي تعلمتها منه. اتقان ما كان يوكل إليه من مهام والعمل بدقة على التفاصيل دون ملل. ووجوده بحياتي كان يعطيني القوة في مواجهة الحياة، كنت أعرف أن دعمه وسنده لي لا ينضب. علمني كيف اعتمد على نفسي وكيف أحقق أهدافي، وربما من أهم دروس الحياة كانت؛ ترك الأثر الطيب عند كل من يعرفني.

كثيرة هي اللحظات المميزة التي تجمعنا ويصعب سردها كلها. فيها السعيد والحزين، وأحب تذكرها وروايتها، كما أحب أن أسمع عن قصص أخرى تجمعه مع أشخاص آخرين. ومن الجدير بالذكر، من القصص الكثيرة التي سمعتها عنه، كلهم عبروا عن إحساسهم بقربه لهم ودعمه وحبهم له. وربما من اكثر القصص التي كنت اسمعها عنه هي مساعدة اي مريض اينما كان وفي اي وقت. تعددت الأوصاف التي سمعتها من مختلف الناس لكن وصف أحدهم كان الأبرز لدي وهو أنه الطبيب الإنسان.

للأسف فقدت والدي بعد معاناة مع المرض. وحتى في مرضه كان بطلا ومثالا للقوة والعطاء رغم ضعفه. وعلى الرغم من أني فقدت والدي وبطلي، إلا أن ذكراه خالدة في قلبي وقلوب الكثيرين. أثره الطيب ما زال موجودا حتى بعد وفاته، وهذه أحد صفات الأبطال. بطلي هو الدكتور منذر السعودي الطبيب الإنسان.