مبروك للفائزين!الجمهور العام
شكرًا على مشاركتكم. أنتم أبطالنا!
الأردن|الجمهور العام
أنا بطل الحكاية
wesam marei
تأليف wesam marei
أنا بطل الحكاية

في صباح شتوي على شاطئ العقبة، المدينة التي ولدت فيها وكبرت، كنت أجلس متأملاً في البحر العريض أمامي. كل موجة تضرب الشاطئ كانت تروي قصة، تذكّرني بمراحل حياتي المختلفة، تلك التي شكلتني وجعلتني ما أنا عليه اليوم. لم تكن العقبة مجرد مدينة بالنسبة لي، بل كانت المرآة التي انعكست فيها أحلامي وتحدياتي، المكان الذي بدأت فيه قصتي كطفل صغير يركض في الأزقة القديمة، وحتى أصبحت شابًا يحمل في قلبه حلم التغيير.

لطالما كانت العقبة بالنسبة لي محطة انطلاق، حيث بدأت أولى خطواتي في رحلة طويلة من البحث عن المعنى والأثر. كنت مثل كثيرين من شباب مدينتي، ممتلئًا بالطموح ولكن محاصرًا بالأسئلة. في البداية، لم أكن أعرف من أين أبدأ. كنت أسأل نفسي كثيرًا: هل بإمكاني أن أكون أكثر من مجرد شاب يحلم في مدينة صغيرة؟ وهل يمكن أن تمتد رؤيتي خارج حدود مدينتي لتشمل الأردن كله وربما أبعد؟

في تلك المرحلة من حياتي، كانت العقبة تمر بتغيرات اقتصادية كبيرة، وقد أصبحت مركزًا لاهتمام العديد من الشركات والمستثمرين بفضل موقعها الجغرافي الفريد. لكن مع هذه التغيرات، كانت المدينة أيضًا تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية، خصوصًا في الأحياء الفقيرة والمجتمعات النائية التي لم تصلها يد التنمية بعد. كنت أرى الفرق الواضح بين الأحياء الحديثة المزدهرة وتلك التي تكافح من أجل البقاء، وأدركت أنني أريد أن أكون جسرًا بين هذين العالمين.

بدأت رحلتي في التطوع منذ أكثر من عشرين عامًا، كنت حينها طالبًا في المدرسة الثانوية، متحمسًا لفكرة أن أكون جزءًا من شيء أكبر مني. كان هناك دائمًا شعور داخلي يدفعني إلى خدمة الآخرين، وكنت أبحث عن طرق أساهم بها في تحسين حياة الناس حولي. بدأت بتقديم المساعدة البسيطة في مدرستي، مثل تنظيم الفعاليات والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية، ولكن سرعان ما اكتشفت أنني أريد أن أفعل أكثر من ذلك.

أثناء سنوات دراستي الجامعية، تعرفت على مفهوم "الريادة المجتمعية"، وبدأت أدرك أن التغيير الحقيقي لا يأتي فقط من تقديم المساعدة المباشرة، بل من بناء حلول مستدامة تسهم في تمكين الأفراد ليصبحوا جزءًا من الحل بأنفسهم. تلك الفكرة غيرت مجرى حياتي. قررت أن أكرس وقتي وطاقتي لتطوير مهاراتي الشخصية والمهنية، وأصبحت أكثر التزامًا بالتعلم والتدريب في مجالات مثل القيادة، إدارة المشاريع، والتنمية المجتمعية.

كنت دائمًا أعود إلى العقبة، رغم أنني كنت أسافر إلى مدن أخرى في الأردن وأحيانًا خارج البلاد للمشاركة في برامج ومشاريع تنموية. ولكن في كل مرة أعود فيها، كنت أشعر بأنني أكتشف شيئًا جديدًا في مدينتي، وكأنها تمدني بالقوة لتواصل رحلتي.

إحدى المحطات الفارقة في حياتي كانت عندما بدأت العمل مع سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة. في ذلك الوقت، كانت هناك جهود ضخمة لجعل العقبة مركزًا اقتصاديًا عالميًا. لكنني كنت أشعر أن التنمية الحقيقية لا تأتي فقط من الاستثمارات الكبيرة، بل من تمكين سكان المدينة ليكونوا جزءًا من هذا النمو. بدأنا بتطوير برامج تدريبية للشباب والشابات في العقبة، بهدف تحسين مهاراتهم في القطاعات اللوجستية والسياحية، وهي القطاعات التي كانت في قلب النمو الاقتصادي للمدينة.

أذكر يومًا، كنت أشارك في ورشة تدريبية لأحد البرامج، حين اقترب مني شاب صغير في العشرينات من عمره. كان يسألني بصوت متردد: "هل تعتقد أنني أستطيع أن أصبح مديرًا يومًا ما؟". كان الشك يملأ عينيه، لكنه كان يحمل أيضًا أملًا خفيًا. نظرت إليه وقلت له بكل صدق: "الأمر ليس بما تملكه اليوم، بل بما تؤمن أنك قادر على تحقيقه غدًا. أنت من تصنع مصيرك". بعد سنوات، تلقيت رسالة منه، يقول فيها إنه أصبح مديرًا في إحدى الشركات اللوجستية الكبيرة في العقبة. تلك اللحظة كانت بالنسبة لي تأكيدًا أن التغيير الحقيقي يحدث عندما نؤمن بإمكانيات الآخرين ونمنحهم الفرصة لتحقيق أحلامهم.

رحلتي لم تتوقف عند الشباب فقط. كنت أؤمن أن الأطفال هم نواة المستقبل، وأن تمكينهم منذ الصغر هو الطريق لبناء مجتمع قوي ومتماسك. تعاونت مع منظمات مثل مؤسسة نهر الأردن ومؤسسة نور الحسين على مبادرات تهدف إلى تحسين ظروف الأطفال في المجتمعات الفقيرة بالعقبة. خلال إحدى زياراتي لإحدى القرى النائية، التقيت بطفلة صغيرة كانت تجلس على الأرض، تلعب بلعبة بسيطة صنعتها من بقايا قطع القماش. ابتسمت لي وسألتني: "هل يمكنني أن أكون طبيبة يومًا ما؟". شعرت حينها بثقل هذا السؤال على قلبي، وأدركت أن الأمل الذي نحمله لهؤلاء الأطفال هو مفتاح مستقبلهم. قلت لها: "بالطبع، يمكنك أن تكوني ما تريدين. فقط لا تفقدي إيمانك بنفسك".

على مر السنوات، كنت أعمل مع مؤسسات حكومية ودولية، منها وزارة التربية والتعليم وUSAID والاتحاد الأوروبي. كنا نعمل معًا على برامج تهدف إلى تحسين جودة التعليم، وتمكين الشباب من دخول سوق العمل بشكل أكثر فعالية. العقبة كانت دائمًا في قلبي، وكنت أرى في كل مشروع جديد فرصة لجعل مدينتي نموذجًا يحتذى به في التنمية المستدامة.

لكن لم تكن الرحلة دائمًا سهلة. كانت هناك تحديات، وكثيرًا ما شعرت بثقل المسؤولية على كاهلي. كنت أعمل مع شباب يملكون أحلامًا كبيرة، لكنهم يواجهون واقعًا صعبًا. كنت أرى الأسر التي تكافح لتوفير التعليم لأطفالها، وأحيانًا كان التغيير يبدو بطيئًا وغير ملموس. لكن في كل لحظة كنت أرى فيها تأثيرًا حقيقيًا، حتى لو كان بسيطًا، كنت أشعر بأن العمل يستحق كل الجهد.

أنا بطل الحكاية
واليوم، وأنا أقف على شاطئ العقبة من جديد، أدرك أن البطولة ليست في الأضواء المسلطة أو الإنجازات الضخمة، بل في كل لحظة صغيرة نزرع فيها بذور التغيير. بطولتي تكمن في تلك الأعين التي رأيت فيها الأمل، في ضحكات الأطفال الذين استعادوا حلمهم بمستقبل أفضل، وفي قصص الشباب الذين وجدوا طريقهم.

أنا بطل الحكاية لأنني اخترت أن أكون جزءًا من الحل، لأنني لم أكن مجرد متفرج على مسرح الحياة. العقبة هي مسرح حكايتي، وهي القلب الذي ينبض في كل خطوة أخطوها. في كل مرة أسمع فيها قصة نجاح من شخص ساهمت في تدريبه أو توجيهه، أشعر أنني جزء من قصة أكبر، قصة التغيير والتمكين.

لكن قصتي لم تنتهِ بعد، فما زال هناك الكثير من الفصول التي لم تُكتب بعد. والأهم من ذلك، أنني أعلم أن كل واحد منا، في أي مكان، قادر على أن يكون بطلًا في حكايته الخاصة. البطولة ليست في أشياء خارقة، بل في الإيمان بأنفسنا، في القدرة على تمكين الآخرين، وفي السعي الدؤوب نحو مستقبل أفضل.

أنا بطل الحكاية... وأنت؟