شكر وتقدير:
ببالغ امتناني وتقديري أرفع إلى منصة "مسودة" الرائدة أسمى آيات الشكر و العرفان ، لمنحي الفرصه و شرف الإختتيار كبطل حقيقي في الأردن.
راية زكريا، دينا السعودي، عبد المجيد شومان والأميرة بسمة بنت بدر من المملكة العربية السعودية، كانت رحلتي مع مسابقة "أبطال الأردن" تجربة مليئة بالإلهام، شكري لكم لا يمكن أن يفيكم حقكم؛ يا منارةً أضاءت دربي و هدتني لأرسم ملامح قصتي بطريقة لم أتخيلها.
أشكركم جميعًا على جعل حلمي حقيقة ملموسة، تصبح فيه قصتي أكثر من مجرد تجربة شخصية؛ بل جزءاً من مشهد أوسع يعكس قوة الإرادة والتصميم ولوحة ملهمة تنبض بالأمل والإيجابية.
اهداء من القلب:
في أروقةِ الحياةِ المتشابكةِ، حيث تتلاطمُ أمواجُ القدرِ بلا هوادةٍ كان قدري بأحداثهِ كفصولٍ من روايةٍ ملحميةٍ، عاشت بطلتها معركةً مليئةً بالتحديات امتدت ثمانية عشر عامًا من النضالِ و الصمودِ في وجهِ الألمِ الجسديِ و الصدماتِ النفسية. لم أكن وحدي بطلَ تلك الروايةِ، كل من كان مصدراً لتذليلِ التحدياتِ وتسهيلِ الطريقِ أمامي أيضاً الأبطال الصامتون خلف الكواليس، الذين سطروا معي روايةَ الصمودِ هذه.
سيدي صاحبَ الجلالةِ الملك عبداللهِ الثاني بن الحسين، الأمير الإنسان مرعد بن رعد، أمي وأبي، أنتم معاً، كنتم و لا زلتم موسوعة ترافقني، و تحتل في عالمي أعلى مقام. تعجز الكلمات وتحتار يداي محاولاً اختيار أنقى السطور، التي تدون مواقفكم التي أمسكت بيدي لأنجز أهدافي بكل عزم وإصرار.
أخواني وأخواتي، يا من شددتم أزري لا تحلو كلمة الأخ ولا تكتمل إلا بكم يا أهازيج فرحي وصدى نجاحي.
ضحايا تفجيرات الأربعاء الأسود، يا أبرياء أُغتيلوا فإرتقوا أرواحاً طاهره إلى مراتب الشهداء. ستظل ذكراكم الطيبة حاضرة في كل لحظة نعيشها، صرخة مدوية ضد القسوة و الإرهاب، تنادي بمستقبل أجمل تعيشه البشرية جمعاء تنعم به بالأمن و السلام.
شكراً لكم جميعاً، بكم ومعكم كانت كلُ معركةٍ يوميةٍ بمثابةِ رحلةٍ جديدةٍ نحوَ الشفاء، كنتم لحظةً بلحظةٍ بجانبي، تمدونني بالطاقةِ التي أوجدت في نفسي قوةً تفوقُ ما تخيلت و عزيمةً لم أكن أعلمُ بوجودها أعانتني على مواجهةِ أعاصيرالمرض
لكم جميعاً أهدي هذا العمل؛ الذي يعد محاولة متواضعة، ُنسجت في طيات صفحاته مواقفكم، أملي أن يكون تعبيراً صادقاً عن إمتناني لكم، يا شراعاً أخذ بيدي عبرَ أمواجِ الألمِ، و بوصلةَ ارشدني في بحرِ الحياةِ المتلاطم و متاهاتِ اليأسِ.
المقدمه:
"تفجيرات عمان: لحظة غدر":
في مساء٩ تشرين الثاني من عام ٢٠٠٥، لم يكن أحد يتوقع أن تعيش العاصمة الأردنية عمان ليلة من الرعب والفزع.
تعرضت العاصمة الأردنية عمان لسلسلة متزامنة من التفجيرات الإرهابية استهدفت ثلاثة فنادق كبيرة: فندق الراديسون ساس، فندق حياة عمان، وفندق دايز إن.
عصفت تلك التفجيرات الإرهابية بالعاصمة الأردنية عمان، فُسجلت كواحدةٍ من أفظع الهجمات الإرهابية في تاريخها، مخلِّفت وراءها دمارًا هائلًا وذكرياتٍ لن تُمحى من أذهان الأردنيين.
كان فندق الراديسون ساس تلك الليلة ينبض بالحياة. إحتشد الزوار في قاعة الحفلات الكبيرة للإحتفال بزفافٍ فاخر.
كانت الموسيقى تُعزف بحيوية، والضحكات والأحاديث تملأ الأجواء من المدعوين الذين ينتظرون بفارغ الصبر رؤية العروسين.
فجأة و بدون أي سابق انذار، سرعان ما تحول أن ينبغي ليلةً احتفاليةً إلى كابوس مرعب، في تمام الساعة ٨:٥٠ مساءً، وقع إنفجارٌ ضخمٌ هز أركان الفندق، و تصاعدت أيضاً ألسنة اللهب والدخان.
ختم الإنفجارُ تلك الليلةٍ الإحتفاليةٍ، محولاً أصداء الدمار إلى أوتارٍ مزقت السكون، محولاً القاعة إلى مشهدٍ من الخراب و الفوضى، و شاهداً على تفجيراتٍ إرهابيةٍ جبانةٍ لم تستثنِ حتى الأبرياء من براثن الدمار.
تحولت لحظات الفرح و الإحتفال إلى كابوسٍ مخيفٍ، و إختلطت دموعُ الفرح بدموع الألم والخسارة بعد ما أسفرت تلك التفجيرات عن مقتل ٦٠ شخصاً وإصابة أكثر من ١١٥ آخرين بين الحطام والدخان.
وسط الظلام الذي خيم على المدينة، بزغت تلك الليلة قصصٌ بطوليةٌ وصمودٌ لا يُنسى. قِصصُ أُناسٍ عاديين تحولوا إلى أبطالٍ، وأبطالٌ حقيقيون واجهوا الموت بشجاعةٍ لا تُصدق.
تلألأت قصة رولى العمرو كرمزٍ للأمل وسط رماد الدمار. قصةٌ ليست مجرد سردٍ لتجربةٍ شخصيةٍ، بل مثالٌ حيٌ لشابةٍ تحولت حياتها في لحظةِ غدرٍ إلى سلسلةٍ من المعاناة والتحدي، إستطاعت فيها أن تبرهنَ للعالم قدرة الروح البشرية على التغلب على الشدائد وإحداث تغيير ايجابي حتى في أحلك اللحظات و أقسى الظروف.
تفاصيل الإصابة والعلاج:
صعقة كهربائية أعادت الميت للحياه:
في هذا السياق الأليم، إستذكرت رولى العمرو، الناجية من جحيم اللحظات القاتمة، تلك الليله، كيف تجلى الرعب على وجوه الناس و كيف انقلبت حياتهم رأساً على عقب في لحظة غيرت مجرى تاريخهم.
عاشت رولى العمرو، الشابة ذات الأربعة والعشرين ربيعاً جميع أحداث ليلة التاسع من تشرين الثاني عام ٢٠٠٥، كواحدة من المدعوين لذلك العرس في فندق الراديسون ساس.
اختلطت الأضواء المتلألئة بالدخان الكثيف، والأصوات العالية بالصراخ والأنين. كان هناك أشخاص يركضون في كل اتجاه بحثًا عن مخرج، وأخرون يمدون أيديهم طلبًا للمساعدة، كان الدمار ينتشر في كل زاوية، الطاولات المقلوبة، والزجاج المتناثر، والوجوه الملطخة بالدموع والدماء.
كانت سيارات الإسعاف تهرع إلى مكان الحادث، لنقل الجرحى إلى المستشفيات، كانت كل ثانية تمر كأنها دهر، وكان كل جريح يحمل قصة من الألم والرعب. كانت فرق الطوارئ في المستشفيات تعمل كخلية نحل لا تهدأ، تحاول بشتى الطرق إنقاذ الأرواح وتقديم الرعاية اللازمة للجرحى الذين توافدوا بأعداد كبيرة. بين لحظات كانت مشبعة بالأمل واليأس في آن واحد، اجتمعت عائلات الضحايا تنتظر بقلوب مكسورة وعيون مليئة بالدموع أي خبر عن أحبائهم.
نقلت جثث القتلى إلى المستشفيات، وبينها جثة لفتاة شديدة التشوه، بجانبها حقيبة بداخلها شهادة تعيين عسكريه (هوية شخصية) بإسم الملازم رولى العمرو. وقع الخبر كالصاعقة على عائلتها، بات الجميع على يقين أن رولى قد فارقت الحياة خاصة بعدما عجز والدها عن التعرف عليها في مشرحة مستشفى البشير، و باشرت عائلتها تجهيزات الدفن وفتح بيت للعزاء في محافظة الكرك مسقط رأس والدها.
تلك الليلة و في زحمة الألم الذي اجتاحت عمان كأنه عاصفةٌ لا تُبقي ولا تذر، أخضع الأطباء في مستشفى الأردن إحدى الضحايا لعملية إنعاش لقلبها المتوقف، تبين من خلالها أن تلك الفتاة التي عادت للحياة هي رولى العمرو.
كانت إصاباتها بليغة جداً، تحمل معها معاناةً تتجاوز حدود التصور؛ تعرض جسدها لإصابات جسيمة لحظة وقوع التفجيرات، حيث استقرت شظايا متعددة في جسدها، شظايا في المنطقة العنقية من العمود الفقري والجمجمة تسببت لها بشلل في أطرافها الأربعه ألزمها كرسي متحرك لزمن لا يعلمه إلا الله؛ عانت رولى من اصابة في الرئتين ارغمتها العيش مع جهاز التنفس الإصطناعي لما يزيد عن سبعة أشهر. تطلبت حالتها أيضاً تدخلاً جراحياً سريعًا لإنقاذها؛ بعدما تسببت شظايا أخرى بإصابات داخلية، مزقت كبدها وطحالها و تسببت في نزيف حاد، مثّل تهديدًا مباشرًا لحياتها.
صراع داخلي بين عالمين
نُقلت رولى في نفس تلك الليلة، من مستشفى الأردن إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى الحسين التابعة للخدمات الطبية الملكية. هناك و خلف ستائر غرفة العناية المركزة، كانت روحها تتجاذب بين عالمين، عالم الحياة الذي تقاتل من أجله، وعالمٍ آخر يتميز بالظلام والصمت، كان جسدها ملقى على سريرٍ في غرفةٍ لا يُسمع فيها إلا أصوات متكررة تُصدرها الأجهزة الطبية، بمثابة رسالة و وعدٍ بالعودة للحياة، لأسرتها التي كانت تترقب بصبرٍ ممزوجٍ بالخوف لحظة الإفاقة التي ستعيدهم إلى حياتهم السابقة.
ظل الألم يتسلل إلى عمقها و يغلف كل جزءٍ من روحها، كانت حواسها مغلقة، لكن عقلها يجوب أفقًا واسعًا من الكوابيس و يتلقى رسائل من العالم الخارجي تداخلت فيه أصوات الأجهزة الطبية في أذنها مع الهمسات الخافتة لأفراد عائلتها "نحن هنا بجانبك، ستتجاوز هذه المحنة، وستخرجي منها أقوى."
كان جسدها كقيدٍ شديد الصلابة، عانت بسبه صراعا داخليا بين العجز الذي جعل كل تلميح لوجودها معدوماً و رغبتها في الإستجابة لتلك الهمسات التي كانت مصدراً لطاقةٍ لا تنضب تُضفي لروحها المثقلة بالآلام، قوةً للنضال و سببًا للعيش.
بصيصات الأمل تنبض من أعماق الغيبوبة:
بدأت تستعيد وعيها شيئًا فشيئًا، مستشعرةً لأول مرة لمسة دافئة على يدها و صوتًا مألوفا ينادي"رولى، هل تسمعينني؟" استقرت حالتها بفضل الله، و بدأت تلك البطلة من جديد في بناء حياتها بعد رحلة علاج تضمنت برنامجًا مكثفًا لإعادة تأهيلها جسديًا ونفسيًا. كان دعم الأقران، جلسات الإستشارة والتدريب النفسي جزءًا أساسيًا لإعادت بناء قوتها الداخلية و مواجهة الصدمة النفسية والقلق الذي كان يرافقها في بدايات رحلة تعافيها. فلم تكن معركتها البدنية وحدها ما واجهته، بل بدى تأثير الصدمة النفسية ايضاً واضحًا عليها، كان الألم الذي تعانيه مضاعفًا بتأثير الهلع والصدمة الناتجة عن الحادث، فمرت بمراحل من الغضب والإنكار و واجهت هلاوس سمعية و بصرية أثّرت على حالتها العامة و تفاقم معاناتها.
اجتازت رولى المحن العظيمة التي ألقت بظلالها على حياتها؛ عادت إلى المنزل بعد مرور ٢٣ شهراً متواصلا على رحلة الشفاء والتعافي، إستقبلت بتفاؤل و إبتسامة دائمة أحداث كل يوم في حياتها الجديدة؛ لتعكس شهادة للجميع أن عودتها بداية فصل جديد في الحياه تستبشرفيه الخير و الأمل.
صرخة في وجه المجتمع على واقع حاله:
تحولت حياتها بعد ذلك إلى معركة طويلة من المعاناة والتحدي، واجهت فيها بقدرات حركية ضئيلة، مجتمعا قاسياً يختبئ وراء قناع من اللامبالاة. تسألت، كيف يمكن لذلك المجتمع أن ينكر عظمة روح تتحدى بقدرات حركية محدودة جميع تحديات الإعاقة، بينما يركز على عيوب ظاهرية لا تعبر إلا عن قصر نظره؟ أليس بالأجدر به أن يفتح ذراعيه محتضنا من يكافحون بعزم تحديات الحياة بدلاً من اقصاءهم عن دائرة التقدير والاحترام التي يستحقونها؟ ملأ قلبها عتب شديد؛ لأن الإعاقة ليست خيارها، وليست ذنبها، بل هي قدر فرضته الحياة عليها.
تعبت من التصورات السلبية و الأحكام المسبقة التي تقلل من شأن ذوي الإعاقة، لكن لم تستسلم، بل أبت إلا أن تقاوم و تصرخ في وجه العالم بأسره، مؤكدة على أن القيمة الحقيقية للأشخاص لا تقاس في القدرة الجسدية، بل في الإصرار على الإنجاز في أحلك اللحظات.
أمنت بسبب ذلك العالم الذي يُعاني فيه الأشخاص ذوي الإعاقة من الوصم، بأن المجد الحقيقي لا يقتصر فقط على تحقيق أهدافها الشخصية، بل يتعداها ليكون جزءًا من حركة أوسع تسعى إلى تغيير النظرة المجتمعية نحو الأشخاص ذوي الإعاقة، مؤكدة مرات عده بأن التغيير يبدأ من الفرد، وأن لكل شخص دورًا حيويا يمكن أن يؤديه لكسر تلك الصورة النمطية و خلق عالم أكثر شمولية وتقبلًا للجميع.
لكل فعل رد فعل أقوى:
حصلت على درجة الماجستير من بريطانيا و عاما بعد عام جسدت مسيرتها تحولًا دراميًا؛ محولة ألمها إلى مصدرٍ للإلهام و قوة دافعة جعلت منها شخصيةً مؤثرة و أكاديمية ملهمة في تعليم و تدريب الأجيالٍ الجديده من طلبة كلية الأميره منى للتمرض.
عملت رئيسا لقسم التمريض السريري في كلية الأميرة منى للتمريض، مُشرفة على كافة الأنشطة التعليمية والإدارية للقسم، ايمانا منها بأن العلم مصدر للإحترافية؛ عملت جاهدة على تطوير الكثير من المساقات الدراسية، لتشمل أحدث الاتجاهات والتقنيات في التمريض والرعاية الصحية، و ذلك لتعزيز التجربة التعليمية للطلاب، بما يضمن حصولهم على تعليمٍ متكامل و يساهم مستقبلا برفد الخدمات الطبية الملكيه بالممرضين و الممرضات ذو الكفاءة العالية.
عُينت بين عامي ٢٠١٦- ٢٠١٨ عضوا في مجلس أمناء المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، و من عام ٢٠١٦ حتى وقتنا الحالي عضوا في مجلس إدارة الهيئة الهاشمية للمصابين العسكريين، انخرطت من خلال عملها المستمر في هذين المنصبين، على تسليط الضوء على قضايا المصابين العسكريين بشكل خاص و الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل عام، مُساهمة بفعالية في صياغة السياسات والبرامج الهادفة إلى ضمان إدماجهم في المجتمع، مكسبا ذلك إيها سمعة قوية و مثبتةً جدارتها ليس فقط كرائدة في مجال التعليم ، بل مصدرا يسهم في تطوير الإستراتيجيات و الكثير من الممارسات الصحية والمبادرات التي تهدف إلى تحيسن ظروفهم المعيشية و جودة حياتهم.
سعت لرد الجميل لبلدها و أبناء شعبها؛ مستذكرة التأثير الإيجابي لدعم بعضهم لها ولأسرتها طيلة فترة تعافيها؛ رغبتها تلك في رد الجميل ليست مجرد شعور عابر، بل أظهرت التزامًا حقيقيًا بتعزيز الروابط الإنسانية وبناء مجتمع أكثر تماسكاً و عداله؛ ساهمت من خلال عملها كمحاضر في الكلية و لا زالت تساهم ايضاً كعضو مجلس إدارة بالهيئة، في التنسبق لكثير من المبادرات و الفعاليات الهادفة إلى تحسين صحة المجتمع وزيادة الوعي بأهمية الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض.
برزت متحدثة رئيسية في كثير من المناسبات و المؤتمرات الدولية، متخذة نجاتها من ذلك الهجوم الإرهابي دافعًا ينادي بحق الجميع في العيش بسلام، و من معاناتها اليومية مع ظروف الإعاقة، محفزًا جعل من صوتها سلاحًا يدافع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن.
الرياضة وسيلة دمج في المجتمع:
فازت من بين مجموعة من المتنافسين حول العالم و رُشحت عام ٢٠١٨ لبرنامج دولي لتطوير القيادة أطلقته وزارة الخارجية الأمريكية يُدعى برنامج التوجيه الرياضي العالمي (The Global Sport Mentoring Program). هو برنامج إرشادي مكون من ركيزتين تؤكدان على تعزيز المساواة بين الجنسين (برنامج تمكين المرأة من خلال الرياضة) وحقوق ذوي الإعاقة (برنامج الرياضة من أجل المجتمع).
تعلمت من خلال هذه البرامج الإرشاديه الدور المحوري الذي تلعبه الرياضة في تغيير حياة الأشخاص ذوي الإعاقة إيجابيًا، و لماذا تقدر كوسيلة فعّالة لهم في التمكين من الانخراط في المجتمع و المشاركة في مختلف جوانب الحياة بشكل أوسع؟ إذ تعد الرياضة نمط حياة صحي يسهم في تحسين الصحة البدنية والنفسية للأشخاص ذوي الإعاقة، فرصة يتمكنون من خلالها تحقيق إنجازات شخصية تتجاوز التحديات التي يواجهونها في الحياة اليومة، مما يعزز إحساسهم بالثقة بالنفس، و تمثل أيضاً عنصر تغيير لكثير من المفاهيم السلبية حول الإعاقة.
تبنت تلك التجربة ثم عدلتها لاحقاً مستخدمة إياها وسيلة لدمج الأطفال ذوي الإعاقة في المدارس الأردنية مع أقرنائهم من الأطفال الأصحاء، كما برز لها دور كبير مرة أخرى من خلال الهيئة الهاشمية للمصابين العسكريين، بالمشاركة بتأسس فريق من هؤلاء المصابين الذين تعرضوا لإصابات خلال خدمتهم، مثّل الأردن في عدة نسخ من ألعاب الإنفيكتوس، مثل تلك التي أُقيمت في العاصمة الكندية تورونتو عام ٢٠١٧، العاصمة الأسترالية سيدني عام ٢٠١٨، بينما اعتذرت الهيئة الهاشمية؛ بسبب ظروف جائحة كورونا عن المشاركة في الألعاب المقامة في هولندا عام ٢٠٢٢، و أخيراً النسخة التي أقيمت في مدينة دوسلدورف بالجمهورية الألمانية عام ٢٠٢٣.
تأسست ألعاب الإنفيكتوس عام ٢٠١٤ كنسخة مصغرة من الألعاب البارالمبية، تسلط الضوء على قصص الشجاعة والتحدي عند المصابين العسكريين من مختلف دول العالم، عرفت بعد ذلك منصة عالمية لتبادل التجارب و الدروس المستفادة مع الفرق المشاركة، مما يعزز الروابط الإجتماعية و التواصل بين المشاركين، ويشجع على بناء مجتمع عالمي من الدعم والتشجيع للمصابين العسكريين.
يستعرض الفريق الأردني في هذه الألعاب قدراته ومهاراته، مما يمنحهم الفرصة للتعبير عن قوة الإرادة والتصميم. مشاركة الفريق الأردني للمصابين العسكريين في النسخة الأخيرة من ألعاب الإنفيكتوس كانت مميزة بشكل خاص، حيث حقق الفريق الأردني نجاحًا بارزًا من خلال الفوز ب ١٧ ميدالية في مجموعة متنوعة من الرياضات، مثل ألعاب القوى، التجديف و سباق الكراسي المتحركة، مما يعكس التقدم والاحترافية التي أظهرها أعضاء الفريق.
كان قوله تعالى "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" (البقرة:286) دافعا دؤوب على تذكيرها هذا الوحي الإلهي أن التحديات والمصاعب التي نواجهها في الحياة تتناسب مع قدرتنا على تحملها، و أن المرونة في مواجهة الصعوبات يساعدنا على التكيف و الاستمرار. زرعت تلك الأيات الكريمة في نفسها أيضاً قناعة بأن كل فرد يمتلك دورا في حركة طموحة ونبيلة تهدف إلى بناء عالم يتسم بالشموليه، تتلاشى فيه الحواجز بين الناس في ظل الفهم و التقبل. طبقت ذلك الوحي الإلهي و قناعتها بدور الرياضة الإيجابي على نفسها هذه المره، حيث قادت الفريق الأردني للمصابين العسكريين في مدينة دوسلدورف الألمانية المستضيفة لألعاب الإنفيكتوس ٢٠٢٣. كانت العمرو كابتن الفريق و الأنثى الوحيدة فيه و سطعت من جديد نجومها في تلك البطولة؛ بفضل أداؤها الرياضي المتميز في مسابقة الكراسي المتحركة التي مثلت تتويجًا لمجهوداتها، جعلت قصتها محط أنظار الإعلام و مصدر إلهام للعديد من المشاركين والجمهور.
تمكين النساء ذوات الإعاقه في المجتمع الأردني:
لعب أداء كابتن الفريق ونجمة البطولة، في ألعاب الإنفيكتوس ٢٠٢٣ دورًا هامًا في تمثيل المرأة الأردنية في الرياضة و عكس جهود الأردن في تعزيز تمكين المرأة في مختلف المجالات.
إدراكًا منها للتحديات الفريدة التي تواجهها المصابات العسكريات والنساء ذوات الإعاقة في المجتمع الأردني، بذلت تلك البطلة جهدًا لتمكين هؤلاء النساء من خلال تركيزها على تعزيز حقوقهن وتحقيق المساواة بين الجنسين. واصلت العمل على تلبية احتياجاتهن، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي، وكل ما يساعد في تحسين جودة حياتهن وتجاوز الصعوبات التي يواجهنها. كما عملت أيضًا على رفع الوعي بقضاياهن وتشجيع المشاركة الفعالة في مجالات العمل والتعليم والسياسة، مما يعزز من دورهن في المجتمع ويسهم في بناء مجتمع أكثر شمولية وعدالة.
الخاتمه:
قريباً سنقف عند الذكرى ١٩ لتفجيرات عمان، ستكون الملازم الناجية، العقيد الدكتوره رولى العمرو. قصة ملهمة تستحق أن تُروى، فهي ليست مجرد قصة بقاء، بل قصةٌ إنسانيةٌ ملهمة، تتشابك فيها مشاعرُ الألم و لأمل، اليأس والعزيمةِ، في حكايةٍ تبعثُ في النفوسِ القوةَ والإصرار على مواجهة أصعب المواقف.
رولى العمرو انموذج حي على قوة الإرادة؛ بالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها، إلا أنها استطاعت من جعل صوتها سلاحًا للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، متحديةً المفاهيم التقليدية ومُتحدثةً باسم من تُركوا في الظل. قصتها تذكرنا بقوله تعالى: *"إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"* (الشرح: 6). فمهما كانت الظروف، يبقى الأمل والتحدي هو الطريق للنجاح.