( *كُلٌّ بطَلٌ عَلى مَسرَحِهِ* )
كعادةِ الأقدارِ حين تجتاحُ ذراتِ الزّمانِ والمكانِ، وبطرقٍ هادئٍ يُنبئُ عن زائرٍ لطيفٍ كانت زائرةَ قلبي ، لنَ أحيدَ عن الواقعِ بعباراتي المُنمَّقَة؛ فنبضُ حرفي من قوّة تأثيرها، لقد كانت هي وما زالت هي وأطمعُ أن يُخطَّ ذكراها في كتابكم ، كتاب ( الأبطال ).
هل تعرفونَ ذلكَ الحضور الذي يتغلغلُ برقّةٍ وعبر مواقيت الزمن ليتّحد مع كُلِّ ما ينتابُكَ من شعور ؟ تتفقده إن غابَ وإن حضر ، تستبطئُ الوقتَ في غيابهِ وتأنسُ به إن كان معك، تشتاقُ لحديثهِ قبل أن يصمتَ.
قدوتي هي صديقةُ قلبي التي كانت وما زالت تنهالُ عليّ بوافر علمها الذي حصدته من كُتبٍ ما سئمتْ يوما ارتيادها ، إنّها في حُبِّ القراءةِ تهيم وتهيم ، أشعر أنّها بكُلِّ حرفٍ تقرؤهُ يليقُ بها لقبُ ( شعاعُ نور )، إنّ لسانَها يجودُ بقصص وعِبَرٍ تجذبكَ فلا تملّ الاستماع، وتصبحُ كاللاهثِ خلفَ علمها لا إلى تدوينه سبيلٌ ولا إلى حفظه درب ، حقّا إنّها أعجوبةُ زمانِها .
هي قدوتي في حُسنها وإحسانها فلم أرَ أحدا يُصارعُ ذلك اللون المُناقض للونه كمثلها ، هي النرجسُ العذبُ في بياضهِ ، الياسمين في نقائهِ ، هي قدوتي حقّا عندما تصبرُ على أذيةِ مَن حولها وتُعطي الفرصة تلو الفرصة ، رقيقة هي حتّى في ردودها ، لقد جابهت تلك الأعاصير الخارجية بثباتٍ وإيمانٍ بأنّ الخالق معها ، وفي عمق معاناتها كانت لا تملكُ سوى الدعاءَ ودموعَ مُقلتيها وشيئا عظيما من تلك الطفلة بداخلها فتُسامحُ وتصفحُ وتمضي وتُكمل، فلا تكتملُ ولا تصفو ولا تنتهي تلكَ الأعاصير وتبقى صديقتي تلوذُ في حمى مَن ارتضى العدل بين عباده ونصر المظلوم .
هي قدوتي في الثبات؛ وقفتْ في وجه مرضها الذي يأبى أن تكونَ له نهاية وعاشت تفاصيله على كُلِّ سطرٍ من روايةٍ هي بطلتها ولا يسعني إلّا أن أُطلِقَ عليها اسم ( غادِرْهَا أرجُوك) لقد كان غامضا ذلك المرض وعصيّا على الفهم ، تآمر مع خوفها العميق من أبسطِ الأمور، فأصحبت الأمورُ معقّدةً ، معقدة للغاية ، ومع كُلِّ ذلك هي صامدة ولا تعرفُ سوى هتافات الأمل بعد كُلِّ هُوّةٍ تتعثّرُ بها .
هي قدوتي في التشبّثِ بالأمل والجمال ، لم تلبسْ يوما ثوب الحِداد ولم تَلُمْ حظّها ، تقفُ أمام مرآتها وتُحدّثُ نفسها : إنّ القادمَ أجمل ، بل إنّ الفدَ القريبَ أجمل ، وتُكررُ جملتها بعدد حِساب العُمر دون مللٍ أو كلل، ما زالت تنتظرُ وما زلنا .
قدوتي هي تلك الأُم بِكُلِّ تفاصيل المثالية ، أستطيعُ أن أرسمها بريشةٍ من أجمل ألوان الأمومة الحكيمة ، المُتّزنة ، المتفانية ، البهيّة ، إنّها تصعدُ السّلمَ في حينٍ كَثُرَ فيهِ اليائسون ، تتناولُ نجومَ الظهرِ غير مكترثةٍ بلسعات شمس الظهيرة ، صدقا لا أعلمُ بأيِّ طاقةٍ شُحِنَت وأخافُ أن أفتحَ كُتُبَ الفيزياء فتَعجَز.
قدوتِي أثبتتْ أنّ التميّزَ لا يُبنى على عِمَاد الشّهادةَ؛ فبالرغمِ أنّ ظرفا ما حالَ بينها وبين الدراسة الجامعيّة إلّا أنّها أعظمُ معلمة، قدّر الإله أن تُنبتَ على يديها الطاهرتين أجيالا هم كالثمار الطيّبة سُقيَت من بحر عطائها أنوارا ستمتدُّ يمنة ويسرة دعاء لن ينضب وامتنانا يُعانق السّماء .
هي قدوتي وقدوتي وقدوتي وهي بسمةُ الأملِ، وما زال الأملُ يبتسمُ في حضرتها.