مبروك للفائزين!الجمهور العام
شكرًا على مشاركتكم. أنتم أبطالنا!
الأردن|الجمهور العام
لوتسةُ الثامن من ديسمبر 'دُعاء'
Doaa Doaa
تأليف Doaa Doaa
لوتسةُ الثامن من ديسمبر 'دُعاء'

في مخيلة الإنسان، البطل هو من يقوم بأمور لا معتادة، لا مأهولة، خارقة للواقع، لا تشبه المنطق في شيء.
الطفل يرى البطل إما رجلًا حديديًا في رسومٍ كرتونيةٍ، أو رجلًا طائرًا، أو ماما الخارقة، أو بابا الخارق.
بينما هو في ذهن المراهق مثال للحرية والعصيان، شخص كسر القيود، تمرد على قواعد أهله أو أساتذته، أو مجتمعه، أو قد يكون لاعبًا في منتخبٍ رياضِيٍّ مشهور، أو صديقهُ المتمرد -ذاك الذي لم يترك فعلًا محببًا إلّا وفعل ما يخالفه-.
أما المحتاج لحاجة مادية فقد يرى أنّ البطل هو ذاك الذي يؤمن له فرصة عمل براتب جيد. أو يقدم له مبلغًا مجزٍ من المال بين الفترة والأخرى.
وبخصوص الأم، فالبطل هو الذي يصير من أبنائها طبيبًا، أو مهندسًا في شبابه، وفي صغره يُطيعُها ولا يرفض لها شيئًا سواءً أكانت على حقّ، أم على باطل، مناصرٌ لأمه ظالمة أو مظلومة، هادِيَة أو ضالة!
والأب. هو صانع بطله من أبنائه تحديدًا، أمّا ذاك الأخير فهو الذي استطاع أن يدفن رغباته كي يحقق رغبات والده، استطاع طمس شخصيته كي يبرز بذاته ركائز الشخصية التي يرغبها والده، يحقق فيه طموحات لم يقدر هو على تحقيقها، أو يعلق عليه آمالًا منعوه من تحقيقها في طفولته وشبابه، ولربما صنع منه نسخة مصغرة عنه، رَمَتْ خلفها كل صفاتها، وتقمصتهُ هو فقط.
فترى أنّ بطل الأب هو الابن الذي ينصاع لوالده مهمشًا ذاته في سبيل أن يرضيه!
والذي يشكو من خلل في نفسه، أو في ترتيباته النفسية، والعاطفية، والاجتماعية. فالبطل هو كل شخصٍ لم يهِنهُ، كل شخصٍ وصفه وصفًا صحيًا جيدًا، عبر عنه وعن مكنوناته التي تلعج بداخله، يَسُدُّ بها تغيراته التي كَوَّنَها الأهل، المدرسة، الصحبة الخاطئة، المجتمعات السلبية، والأفكار المغلوطة.
في كل صنوف الحياة، من نوعيات أفرادها ... كل منها له رسمة خاصة عن ماهية البطل، أما عن الإنسان الواعي، ومنه المثقف، الفيلسوف، الناقد، الباحث النفسي، فلربما تجده يفصل ويحدد ألوان وتفاصيل البطل كيف شاء. بطريقة تعنيه هو، تخصه بإبداعها ومثاليتها الناقصة 'فكلنا نعلم أن الكمال لله، والكامل هو الله وحده'.
إذًا...
في منظورك الشخصي أنت، من هو بطلك؟!



"أنا أجد الانضباط بنفسي، أجد التوازن".
عبارة كتبها، رددتها كثيرًا وطويلًا، رسختها في الورق ... في هاتفي الشخصي، على الأفق، مع ولادة الغروب ... وإجهاض الصباح، بين عُقَد فساتين الصوف التي كنت أحيكها. عند الوقت – والأمكنة – والافكار – والمصطلحات – والرؤى – ومشاعر القلوب عندما تشق جذوع الأغصان، تلك التي تبدو كغابة محترقة داخل العيون الزجاجية الهائجة تجتاحها الأحاسيس الدافئة.

وقررت أن أسير ... وأن أحارب بالكتابة .... أشهر كلماتي بنادق يتدفق البارود من فوهتها الدائرية ناعمة الشكل، قاتلة الفعل.

...لتكتبي
عزيزتي لتكتبي.

استمرت طويلاً بلا أحد. بلا أنيس رغم وجود الكثير من الناس. لكن لا بأس . فهذه هي دورة حياة اللوتس بالعادة ... إنك ترى لونها الوردي المنفتح يترامى ليستقبل من فوقه ومن تحته، وعن جنباته المزيد من زميلاته الوريقات، ثم تُدهَش كيف يستقر اللون الأصفر المشرق في داخلها ... في قلب المستنقعات والينابيع، تطرح نفسها في حِجر طبق أخضر اللون من ذات صنفها وجنسها ... تظل تتمتع بنقاء لونها وبهاء هيئتها رغم نموها وسط المياه العكرة!
تصارع بطلتي في قعر البركة أو المستنقع ما يُكتَبُ عليها من عناء. حتى تقاوم كل شوائب الحياة، تتمع بلونها الباهي المشع.

إذ تتشابهان في كونهما كلتاهما تتميزان بالقدرة على النمو في البيئات الموحلة دون معونة ... وتصعدان للسطح تتمددان بأحضان اللون الاخضر الحي الذي يحب الحياة ولو صارع كثيرًا. ولا تتسخان رغم اختلاطهما بما تُجبَران على خوضه من ظروف.

وهو تمامًا ما يهب بطلتي الوحيدة رمزية نقاء اللوتس ذاتها، ونهضتها الروحية الصادقة.

عندما أعيش في سكرات خيالي لها. أمتطي جذوة اللوتس ... ثم يحملني بساطي السحري لأميرة من أميرات أطلنتك القديمات، تتمتع بسحرها رغم ما مرت به مماليكها من صعاب وأحداث.


فيما مضى كبرت زهرة اللوتس خاصتي بوسط لم يقدم لها الاهتمام بالشكل والكيفية والطريقة والكمية والتفاصيل المطلوبة التي تستحقها. والتي تتناسب وملكاتها المغروسة بها تتنامى معها من مكتسب وفطري. لكنها كانت تعوض كل ما لديها من إبداع يمكن تسويته بالحواس الإضافية للإنسان بالفراغ، فتدرك المسلمات التي يدركها الناس العاديون بوقت متأخر عما يجب أن تدركها فيه ... بالمقابل فإنها ترى وتدرك الأمور التي لا يراها ولا يدرکھا الناس العاديون طيلة حياتهم بوقت مبكر و جليٍّ جدًا، هي تفعل وبوقت سابقٍ جدًا للنوادر من الأشياء، وتتعلم كل ما يعرفه ويجيد فعله العاديون بعد أن يفعلوا هم ...

لكنهم لا يستطيعون أن يدركوا ويروا ما تدرك وترى هي بعمر صغير ما حيوا في حياتهم كلها ... فتبصر هي وهم لا يبصرون. وترى هي وهم فقط ينظرون!

هي ليست عادية بتفاصيلها الصغيرة هذه، وهذا من أهم الأسباب التي جعلت منها بطلة،
بطلة حقيقية وليس مجرد كلام.


لم تستسلم في أوائل المرات التي بدأت بها تبصر ما لا يُبْصَرُ عادة ... من النقاط الأهم لها كمختارة (خصوصًا أنها توقن أنها كذلك) وهو اكتشاف ماهية الإنسان، غايته، الوجودية. والسر الأعظم وراء المهام [وهذا ما سنتطرق له في ما يأتي من تفاصيل قصتنا الصغيرة هذه].

لكنها عندما دخلت مرحلة الثانوية العامة.
كانت قبل فترة وجيزة من ذلك (ربما ثلاث سنوات) قد بدأت باكتشاف أسرار الكون، أسرارها هي، أسرار ملكاتها الشخصية.

دخلت الثانوية مع تكوين بسيط لبعض الأفكار المهمة عن مستقبلها الذي بدأت تعي مؤخرًا أنها يجب أن تهتم بكيفيته.

لم تكن هذه اللوتسة الروحانية المختارة وسط عادية الناس تتمتع بتفوق أقرانها الدراسي. لم تكن تمتلك علاماتهم لكنها امتلكت تحليلًا دقيقًا للأشياء. لم تكن تمتلك قدرة على الحفظ أبدًا مهما قل مستوى هذه القدرة، لكنها ما زالت تحفظ المواقف والمعلومات والدروس والمشاعر التي أثرت بها وأعجبتها منذ سنين المدرسة الإعدادية والابتدائية وحتى الآن.

حتى أن ذاكرتها الفوتوغرافية الغريبة تعمل بطريقة صعبة الفهم، فهي التي يتعسر عليها الحفظ، لكنها تتذكر شكل تلك الدروس وهيئة الصفوف في تلك المواضيع، والموافق، والمشاعر، ومَنْ مِنَ الطالبات كانت حاضرة ومن كانت غائبة، وهيئة ملامح المعلمة أهي غاضبة أم سعيدة، حتى لربما كانت تتذكر في بعض الأحيان ما لون الملابس التي يرتديها الموجودون بالمكان ...

تتمتع بالتفصيل الروائي عند حفظ وتذكر الأشياء، والمواقف، والاشخاص كما تتمتع به عند كتابتها لنَصِّ وصفِيٍّ مليء التفاصيل في أُطروحة روائية ما.

هي التي اختارها الأدب. لوتسةٌ براقة كلما اشتدت الأفعال والظروف والتصاريف زادت قيمة جملة بتلاتها أكثر.
حتى لكأنها تبدو كنَصٍّ هاربٍ من عبقِ زهرة.


في مجتمعات تحكم عليك دون أن تقيس كل أركان الصورة التي نظرَتْ لك منها. و تحكم لك بدلاً من أن تشجعك على أن تتعلم الحكم بنفسك، ترميك بالحجارة بدلًا من أن تزيلها من طريقك، حتى تتركك تحت عدة خيارات:
إما أن تستسلم وتكون إنساناً عاديًا.
أو أن تصير إمعة لا رأي لك .. يسوقك الآخرون حيث شاؤوا.

أو أن تصير مشوهًا نفسيًا تتلوث بأول عاصفة غبارية تهب وتعصف في طريقك!

في هذه المجتمعات ... من يرغب أن يقاوم روتين الناس، من يعمل على مجابهة الصعاب النابعة منه، ومن الناس، والظروف المحيطة المتعلقة بقدر الله وعطائه له من رزق، ألا يستحق من يحاول أن يكون بطلًا؟!


فما قولك عن من يقدر أن يصنع من ذاته شيئًا مختلفًا بعد عديد المحاولات؟!
ألا يُعتَبَرُ بطلًا حقيقيًا؟!

دون معلومات دراسية يحفظها الأقران، دون تأسيس مشابه لتأسيس الفئة العمرية المحيطة، كيف لبنت أن تتبنى فكرة صناعة اختلاف فريد من ذاتها التي غالباً ما تراها البيئة شيئًا صغيرًا .. قليلًا ... وضيعًا!
في طريقها الأول، وبعد خمس عشرة سنة "اكتساب الثانوية العامة" بتخصص لا يحتوي علوم وفهم العلمي، أو محفوظات، وزخم معلومات الأدبي. ومع ذلك كل ما تختار سيبدو صعبًا عليها، خاصة وأن الثانوية تعتمد بنسبة ما على ما قبلها من السنوات الدراسية...


هنا إحدى معارك اللوتسة...

كما قالت لها أمها ذات مرة: "ربك كريم وقادر يطلع من الخشب زيت".
في محاولة لاستيئاس بلوغها إحدى محطاتها الأولى، لم يكن أحدٌ ليتوقع منها حتى أن تستطيع الجلوس مع الناس بطريقة تستحق الاحترام. ولا حتى أن تتحدث أحاديث ممتعة تشد من حولها بثقة وسلاسة، ليس بسبب نقص في شخصها؛ بل لعدم ثقتهم بشخصيتها وقراراتها وافعالها الذي زرعوه هم، وبل لكثرة انتقاداتهم لها ومقارنتها بكل من هب ودب، وإسكاتها كلما أرادت الحديث، ولو لم يتم إسكاتها فإن ذلك يُستٕبدَلُ بالتنمر والسخرية والأسلوب الذي يمكن وصفه أنه لا يناسبها هي على الأقل، رغم أنها قد كانت تستحق كل ألوان الثقة. وكل أشكال الدعم الذي عادة ما يأخذه الاطفال، لكنها لا تفعل.

كانت تتكور على ذاتها في كل مكان تذهب إليه، ظنًا منها أحيانًا أنها لا تستطيع، وأحيانًا أخرى أن الجميع سيعاملونها كما كانت تُعامل في بيئتها الحياتية، وأخرى تعتقد أن هنالك عيونًا تترقبها ستوبخها مهما وكيفما وأينما ومتى ما تحدثت ... مع أن هذه الفكرة تحديدًا ما كانت لِتكون موجودة، لكنه عدم الاطمئنان يفعل ما هو أكثر من ذلك، يصيب المرء بشعور غير مريح أبدًا.


كومة من الأفكار المتناقضة داخل وعائها البسيط ذاك، الخائف، اللا مرتاح، لربما جراء نمطية عاشتها. في سلبيات الأُسَر الممتدة. تلك التي ندرس عنها الآن في دوراتنا وأشرطتنا التعليمية في الجانب النفسي، وعلوم الذات، في أن يفتح الطفل عينيه منذ الولادة ليرى حوله من الناس العدد الهائل، والأفكار الكثيرة، جزء كبير منها ليس صحيًا ولا صحيحًا، ولا نغض الطرف حول فكرة أن هذا الطفل ليس مضظرًا أن يعيش ويتعايش بين أعداد و عقليات مختلفة بهذا الكم والنوع ... في حين أن الواجب الأبوي من الوالدين يقتضي أخذه لمعلوماته من الوالدين فقط، وأن يحاط بهما وسط حياة مستقلة. تتشكل من أم وأب وأخوة لا أكثر، و ما تبقى هم الأقارب الذين نحبهم ونزورهم زيارات لا أكثر، وأن حق الاستقلالية يبدأ بالتشكل عند الطفل منذ الحمل حتى وليس فقط منذ الطفولة أو الولادة، وأنه من المفترض أن يدرك أن أبويه له وحده بالتشارك مع اخوته، بينما الأقارب فهم شبكة ممتدة ومتشابكة ومعقدة، نحبها جدًا لكن استقلاليتنا تتشكل منا نحن فقط (الأب .. الأم .. الأولاد من كلا الجنسين) فالسلامة الصحية، وما على الأبوين من واجب تقوم على النقطة الأولى من إظهار التحبب اتجاه الأجداد والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم جميعًا، ولكن لا يجب أن يربط حياة أبنائه ومعيشتهم بما يزيد عما ذُكِر، عقد الأسر الممتدة ... بل الأسر بشكل عام هي الركن الأساس لضعف الابن في مرحلة من مراحل حياته، ولربما كانت في كل المراحل حتى، إلا إن استطاع ورغب أن ينضج ويعي فينقذ نفسه بنفسه. وهذا جزء مما كانت عليه البطلة اللوتسية البراقة!

أذكر عباراة في علم النفس مفادها أنك إن أردت أن تبني فردًا بناءً صحيًا صحيحًا فعليك أن تهبه الثقة، الحرية، والاستقلال.


"لن تنجحي" ... من أوائل العبارات التي كانت تقال لها عندما رغبت في إدراك ثغرات الحياة السابقة التي لم تكن لتتدخل بها أبدًا وبأسبابها...


بدأت الطالبات بالحجز لدى المدرسين الذين يقومون بتدريس المواد تدريسًا خصوصيًّا لأغلب المواد، بينما هي فتدرس وحدها. يرتبن كيفية وطريقة المواد ودراستها، لكنها تعيش حيرة البداية والتنظيم دون مساعدة.


كانت من الأجيال القديمة، من ميلاد الثامن من ديسمبر لعام ١٩٩٦م، حيث كانت تشجع ذاتها بذاتها. تربّت على كتفها الأيسر بكفها الأيمن. تصارع أسئلتها في رأسها، تنبثق من وحدة عاشتها في طفولتها، تنبت مع الورق والقلم ... صديقان منذ عمر طويل، عاشا طفولتها سويًا، وبلغا سويًا، شبّا سويًا، وها هما يصارعان صعاب الحياة أيضًا سويًا.

كانت الطبيعة توحي أنها لن تتوفق مباشرة وبالتجربة الاولى، ما حدث في ذلك الفصل لربما كانت به الحكمة السماوية من أجلها هي، من أجل أن يواسيها الله بتشابه مصابها بمصاب الآخرين.

في ذلك الفصل قررت الدوائر المسؤولة عن منهجية أسئلة الثانوية العامة، أن تبدل نمطية الأسئلة كاملة في كل المواد ... وما حدث كان أن الجميع بلا استثناء قد أُصيب بالإحباط الشديد، المعلمون والطلاب، والأهالي، كانت نسبة النجاح في المملكة آن ذاك لا تتعدى ٢٧٪ فكان الرسوب الغالب على المحافظات والمدارس كلها يعتبر مواساة من الرب للوتسة التي عرفت قدر نفسها مؤخرًا، ورغم عدم انتظار الكثير منها من محيطها، إلّا أنها بدأت بسماع وابل الكلمات الصادمة المؤلمة، من العمات والأهل والجميع، "لم عليها أن تدرس، لتوقف محاولاتها، متأملين منها تنجح مثلًا؟ طيب زوجوها بما أنها تكرر المحاولات منذ سنتين ولا تفلح في ذلك،..." كانت هذه من أرق الكلمات التي قيلت لها بعد تكرار المحاولة لمدة أربعة فصول، أي سنتين، سنتين من التعب، فتكرر المحاولة لفصلين آخرين، وتزداد التعليقات والشتائم ومحاولات الإحباط، واللوتسة تتسم بالجمال كلما زاد عليها القول، حتى أُصيبت بالسقم النفسي والجسدي، وتفاقم بها الحال، بدأ الجميع يشعرون بمعاناتها ولكن ليس شعور الفخر بل شعور الشفقة، وصاروا يكررون عليها "أوقفي محاولاتك، بس فقط تعبتي" لكنها استمرت لسنتها الرابعة، ولم تفلح...كانت تلك الأعوام الأولى من فرض رسوم مادية على كل مقرر يتم تقديمه في الفصل، ومعها يزداد الذم والشتم، فهي ليست شيئًا بعيون الناس حتى يتم صرف مبالغ مادية عليها؛ كي تحقق ذاتها الذي لكأنها تعجز عن تحقيقه.

كانت تغوص في نوبات بكاء شديدة في الليل، وتعيث بها الوحدة إيلامًا وقهرًا، هي القريبة البعيدة، اللينة الشديدة، المجموعة الفريدة، اجتمعت بها العائلة وأخبروها أنها يجب أن توقف عمليات المحاولة فهذا قد أودى بها للهلاك النفسي والجسدي والعاطفي، لكنها في الأسبوع الموالي ذهبت للتسجيل للسنة الخامسة، للفصل التاسع والعاشر، ولحسن الحظ فقط نجحت بالفصل التاسع، لكن نجاحها كان ناقصًا، لم يخولها معدلها لدراسة تخصص اللغة العربية بدرجة البكالوريوس، وهذا التخصص بالذات لا يتم قبوله في درجة الدبلوم، انهارت تمامًا، بدأت بتلاتها الناعمة تذبل قليلًا فقليلًا، أكل منها التعب كل طاقتها، حاولوا إقناعها أن تدرس أي تخصص آخر، ونظروا إليها نظرة ممزوجة بالإعجاب المصاحب للشفقة، وللمرة الأولى في حياتها تشعر بشيء من الإعجاب بنظرات عائلتها، قررت أن ترفع معدلها لكنهم آخبروها أن هذا صعب، فهي بصعوبة بالغة حتى نجحت، والدرجات التي يجب أن تبلغها حتى تستطيع دراسة الأدب العربي هي ٤ معدلات، فوقفت وقالت لهم قولها الشهير في هذه القصة: "لم أقاوم كل هذه السنين من أجل فكرة الشهادة المحضية، بل من أجل فكرة الأدب العربي، الأدب العربي حلمي، سأصير أديبة وروائية عظيمة في يوم من الأيام" غادرتهم مبتسمة، فقدروا ما بها من أفكار، ومحاولاتها وطموحها لصنع شيء مختلف لنفسها، هذه المرة كان التحدي حاسمًا جدًا، ٤ معدلات وعُشر معدل كي تؤهَّلَ لدراسة الأدب العربي، ولو لم تفز بهذا التحدي فإنها ستخسر إلى الأبد، سرعان ما مر الفصل بكل جهودها، لقد ضغطت وقتها وقاومت أفكارها بكل عظمة، لقد كانت فتاة رائعة بحق، حتى وصلت النتائج وكانت قد حققت ما سعت إليه.....


ولا أنكر القول إن دموعي قد سالت عندما تذكرت تلك الذكرى...أنا اللوتسة دعاء بطلة نفسي في هذه القصة، ما زالت خمس سنوات ونصف قضيتها في مرحلة الثانوية العامة تقضم فؤادي، وما زال ألمها النفسي يعبث بي، وما زلت دعاء الوحيدة، لكنني قد اشتغلت على شخصيتي بطريقة فظيعة حتى ما عاد وجود الناس يعنيني، أعيش وسط عائلتي التي تختلف عني بالتفكير، فأطمح بكل سطوة، وهم يفكرون بأكبر بساطة، أريد وهم يريدون، وشتان بين ما أريد، وما يريدون، ولست أخفي فكرة أن عائلتي لبنة من مجتمع قروي متشابه، ليس يحمل فِكر اللوتسة بداخلي، تتمتع بنقائها العذب، بسكونها القاتل، بوحدتها الدامية، الكاتبة الروائية الأديبة العظيمة أنا، صاحبة لقب أوراق مطوية التي تناطح الظروف، لكنها تقسم في كل دمعة وحدة تسيل منها أنها ستصل، وستنتقم من كل هزيمة عاشتها في يوم من الأيام، أنا بطلة ... بطلة حقيقية، بطلة نفسي، فتاة لا تشبه النساء العاديات، ولا حتى المميزات، أخت اللوتس...
فتاة تتألم في واقعٍ كلما اصطدمت به تعلمت أكثر، فسجلت في دورات ومعاهد إلكترونية عن بعد لتشد وثاقها وتزيد قيمة نفسها، 'تلك التي لا تعلو عليها قيمة، وبكامل تواضع اللوتسة أقول ذلك"...


أقول لكِ أخيرًا يا بطلتي الحرة بلا جناح، والدرة تغمرك القيمة، قاومي بؤس العالم والمجتمعات والقيود، فأنت مبدعة بحق، وصاحبة فكر ومنطق، يا صغيرتي...
عليكِ أن تعِ أن الذكاء العاطفي يحتاج إلى أنانية حكيمة، يحتاج إلى اللعب بكلمتي "لا" و"نعم"، انتقاء وقت استعمالهما، وكيفية ذلك.
عليك أن تعِ أنكِ ستحاسبين على تقصيرك مع ذاتك قبل أن تُحاسبي على تقصيرك مع الآخرين.
عليك أن تعِ أن المغفل يحمل صفة من صفات الإيثار غير الصحي.
يا صديقتي الرقيقة...كوني أنانيةً، ولكن بحكمة!

ويا صديقتي، إنّي أهبك كلامًا من ذاكرة الفؤاد:
عليك أن تعلمي أنّكِ ستخوضين رحلتك وحدك، كل المحيطين بك ليسو سوى جمهور لن يرفعكِ إن سقطت، لكنه سيتظاهر أنه من كان سببك للطيران حين تطيرين.

هذه حربكِ فخوضيها ببسالة، ولا تتعكزِ على خشبٍ يميل وينحني لو قرضتهُ أرَضَة!
ولكل امرأة محاربة مثلك، ولكِ أنت تحديدًا...
اعلمي أنه ليس بالضرورة أن يكون المحسوس مُعاشًا، والمحسوس شعورًا شخصيًا، والمُعاش مكتوبًا، والمكتوب يطرح فكرة ذاتية، ليس بالضرورة...
وهذه من إحدى المشكلات التي تواجهها المرأة في عالم الكتابة، وتَبَنِّي العصامية، وتقمص الهيئة التي تريد.
المرأة تطبخ وتنظف وتؤنس وتكون ذات مهارة في مهمتها داخل غرفة نومها...وما دون ذلك فهي متمردة، خارجة عن القانون!
لكنك الدرة التي ستكون بارزةً بقلمها، تنقذ الناس دون أن تؤذيهن، وتبث العسل في كل سم، وتعلو..تعلو..تعلو بحرفها آفاق السماء بلا خوف...
كغيمة يا دعاء...
كطير يا دعاء...
لا تستسلمي ما دام يرعاكِ 'رب السماء'