لا يلزمك أن تكون خارقًا أو جامعًا لكل الصفاتِ الحِسانِ حتى تنال لقب البطل!
ولا أن تتجاذب الصحف المحلية أو العالمية أو قنوات التلفزة أطرافَ الحديث عنك؛
فكثير ممن كنا نحسبهم أبطالًا عظامًا سقطوا عند أول اختبار حقيقي لمعدنهم،
يكفيك أن تكون خفيف الظل ثقيل الأثر الطيب في أهلك ومحيطك ونطاق دائرتك الضيقة، ولا ضيرَ إن توسّعت.
نشأنا منذ أن كنا صغارًا على أفكار معلبة لشخصية البطل تتشكل في هيئات خارقة تملأ فضاء رسوم الأطفال المتحركة، وكانت ميّزات هذه الشخصيات تُثير إعجابنا حد الدهشة، ولا عجَب أن يُخيّل إلينا حينها أن المثالية المفرطة التي يتسمون بها من الممكن أن نقطِفها أو حتى نتقمّص دورها، لكن ذلك ليس حقيقيًّا على وجه الدقة!
إن تَمَعَّنا مليًّا في عالمنا الحقيقي نُدرك أنه لا توجد مُحددات معينة محصورة لصورة البطل؛ فقد يكون طفلاً، أبًا، أُمًّا أو أحد أفراد العائلة، وربما يتخطاها ليصل الأصدقاء، المعلمين، أو أي شخصية كان لها عميق الأثر بتحقيق الخير.
وأمّا عن نفسي فقد أكرمني الله بصديقتين حازَتا مرتبة البطولة بكل جدارة.
أعظم ما يمكن للمرء أن يحظى به في حياته مَنْ يُذكّره بالله ما استطاع، ومَن يصبّره بالاستعانة بالله مهما كَبُرَ حجم الابتلاء، ويكون له عونًا على الطاعات طمعًا في الجنة.
كلنا نحتاج إلى من يحنو علينا في أوقات المِحَن، لا إلى مَن يقف بجانبنا في الفرح والسعادة فقط ويتركنا حين تُزاحمنا الهموم والحَسَرات، نحتاجُ من يسوؤُه حالنا البائس الحزين كما يُبهجه حالنا المُنشرح، ولا خير في شخصٍ لا يُحسِنُ الجَمع بين هذه الإمكانيات!
كم مرة أغلقت عليك بابك واعتزلت الناس خيبةً وحُزنا ولم يُطرق بابك أحد؟ وحتى إن طُرق لا يتعدى المرة الثانية والثالثة أو حتى العاشرة!
مَن يهمه أمرك حقا لا يُلقي بالًا بالعدد، فهو لا يُحصِي كي يُقِيم عليك المَنّ؛ بل تجده يلجأ لكل الوسائل المتاحة حتى إن كان هذا معناه أن يسأل النوافِذ وصلك.
بَطَلك الحقيقي من تَهرُب إليه لتَحتَمِي به من ملاحقة الأتراح لك، من يملك الكلام الخاص بكل مناسبة، وإن عجز عن تقديمها يَواسيك بالصَّمت أو الدّمع، من يُقَدّم إليك كتفه ليسند ضعفك فتمتص جُل أحزانك، وُيسدِي لك النُّصح كما يُحِبُّ وَقعَهُ على مسامعه.
وحين تتعثر خُطاكَ ويغلبك شعور الانهزام واليأس يتفهّم طبيعتك البشرية كحالهِ، ولا يبادر بلومك وقصّ أجنحة الأمل المتبقية لديك.
يُحارب معك في الصفوف الأمامية، ولا عجب أن تراه يتلقى ضربات الحياة عنك، ولا يهرب من ساحة المعركة غادرًا بك وبميثاقه معك.
يُقوّيك مع ضعفه، ويسقيك من نبع الطاقة الخاص به كي يملأ خاصّتك بعد قُصورٍ وتَعب، مُتجليًّا بالإيثار، ضاربًا بعُرض الحائط كل معاني الأنانية واللؤم وحب الذات فقط.
يدفعك لاحترامه بأخلاقه الرفيعة وصفاته الحسنة وكلماته الطيبة التي يُحسن اختيارها كحرصه على اختيارِه ثيابه.
كُلّنا لا بُدّ وأن تقاطعت طرُقنا مع أناس لا يأبهون لطلب السماح منا حين يخطئون بحقنا، بل ويصرّون على تساميهم فوق الخطأ، ويصفعوننا بوقاحتهم بشدة! فنراجع أنفسنا حينها لنتذكر الصورة البهية لذلك الشخص الذي لم يُثقل كاهلنا يومًا، ولم يُقصّر في حقنا، بل كان هو الذي يتعقّل في لحظات الغضب والخصام والجَفاء، بينما نجلس نحن في زاوية الغُرفة نلبس ثوب الطفولة، مخبئين رؤوسنا في حُزن وكدَر ننتظر التربيتة والحُضن.
إذا أردت أن تعرف بطلك أو شخصك المفضل لاحظ أول صورة ستقفز إلى ذهنك حين تتساءل مع نفسك:
من سيهب لنجدتك عندما تقع في مصيبة؟
لمن تتحرق شوقا أن يكون أول من تزف له إنجازك وما سعيت للوصول إليه؟
من سيراعي بكاءك الممزوج برائحة الطفولة حول شيءٍ يعتبره الآخرون سخيفًا ومدعاةً للاستهزاء؟.
نمتلك أشخاصًا كثر موزعين في قوائم مختلفة تتدرج من الزمالة إلى الصداقة والأخوّة، لكننا نعطي كل واحد منهم نقاطًا إضافية تميزهم عن بعضهم بمجهوداتهم الشخصية، فنحابي بعضهم على بعض في الحُب والاحترام والمودة،
ونُفرد لهم أماكنَ خاصة لا يرتادها أحد سواهم.
وعندما نُخاطب قلوبنا مفتشين عنهم، نَجِد بأن من نتقوى بصبرهم وثباتهم لمواجهة ضعفنا، كي لا يلمحوا طيف الحزن في عيوننا وارتعاشة الانهزام في أصواتنا، نجد بأنهم
من يستحقون ثناءنا وحفظنا للمعروف مهما آلت الظروف إليه، نضعهم في خانة الأبطال بعيدًا عن أصحاب الخداع والأذى.
ليسَ مطلوبًا منا أن نكون أبطالًا لكل النّاس ولكل من تتقاطع طُرقه معنا، يكفينا أن نُجاور من نأمَن جانبه ويستحق وجودنا وإن كان فردًا واحدًا. كما أنه ليس بالبَطَل من تَطالُه الألسنة بالمدح والامتنان على جميل صُنعه بينما تئنّ صدور آخرينَ من جبروت ظُلمه وقسوته! لا يوجد بشري يتصف بالكمال بالتأكيد؛ لكن ذلك لا يعني أن توزّع إحسانك لكل من يروقك وتقطع الخيرَ عمّن يُخالف رأيك وهواك.
لا شكّ في أنّ امتلاكنا بطلًا في حياتنا يُعدُّ نعمة عظيمة، لكن الأمر الأهمّ أن نُدرك جيدًا كيفية حِفاظنا على هذه النعمة، وأن نستلهمَ منها كيف نكون بذواتنا أبطالًا لا تُعدَم مساعدتنا وخيرنا.