
كثير من تداعيات أزمات الحياة تجعلنا نقرر أن نحاول بشكل مختلف وفي ذات المحاولة نفشل ونعود لنجرب مرة أخرى، ثم ماذا!. من الطبيعي أن لا تتكل ل محاولاتنا دائما بالنجاح ولكي أكون صاحب حجة؛ أريد منك أن تبحث عن طفل وهو يلعب بقطع التركيب التي تصبح على شكل شيء ما بعد تركيبها. فقط اسأله ماذا ستفعل لو وقعت كل تلك القطع قبل ان تنجح، سيجيبك ببراءة فطرته أنه سيحاول تركيبها مرة أخرى. هذه هي حياتنا المعقدة تتكون من سلسلة من المحاولات المختلفة.
في مرحلة شبابنا نكون بارعين باختيار أحلامنا ونسعى لتحقيقها، كانت بداية مرحلة النضج مليئة بالتجارب على الصعيد الشخصي سواءا بالعمل مع منظمات تنموية ومؤسسات حكومية وحتى السفر إلى الخارج لتمثيل المجتمع. أعتقد أنه غالبا ما راودك بأن تحلم برواية قصة مليئة بالنجاحات وكذلك كنت أنا، ومن باب الواقع يولد الإنسان مرّة واحدة ويموت واحدة فقط، لكن يبدو أن هنالك استثناءات لا ندركها. على كل حال كانت تفاصيل حياتي الأولى مهمّة جدا، لكن اختلفت معظم تلك المقاييس عندما بدأت حياتي الثانية بعدما بلغت العشرين من العمر. في يومٍ ما، استيقظت لأجد نفسي عاجزا عن الحركة بشكل طبيعي، ويدي معلقة على عنقي بضمادات تلتف حول موضع عملية جراحية. كنت في حالة من الذهول الكامل؛ فناديت أحد إخوتي ليعينني على النهوض، ولكن لم استطع وحدي ثم أخذني للمشي إلى غرفة المعيشة والصدمة الكبرى كانت عندما نظرت في المرآة، فرأيت شعري مقصوصا بالكامل وملامح وجهي قد تغيرت بشكل لم أعهده من قبل. توجب علي تدارك الموقف فسألت عما حدث لي، أخبروني أنني تعرضت لحادث سير قبل شهرين. أنكرت ذلك بشدة، إذ لم أكن أذكر أنني دخلت المستشفى حتى، ونظرا لتضرر ذاكرتي بشكل كارثي قضيت شهرا كاملا أطرح نفس السؤال يوميا وكأنني لم اسأل من قبل. بعد أنني لم أرى والدي كل تلك الفترة، أيقنت أنه قد توفي وكان ذلك بعد فترة قصيرة من حادثي بسبب ذلك المرض العضال الذي كان يتعالج منه في مركز الحسين. ورغم مصاب والدتي وإخوتي الجلل، كانوا يبذلون قصارى جهدهم لمساعدتي في الخروج من هذه الحالة.
مرت الأيام وأنا أحاول التحسن، فمن صخب العجز شعرت بالإنجاز الكبير عندما بدأت المشي وحدي لأول مرة منذ شهور وحتى أنني بدأت أتناول الطعام وحدي وبغض النظر إن كان بطريقة صحيحة أم لا لكن فعلتها بنفسي. كنت أجهد نفسي لتذكر تفاصيل يومية بسيطة دون جدوى، إلى أن جاء وقت مراجعة الطبيب المختص وبالمناسبة قد أخبرني الأهل لاحقا أنها لم تكن اول مراجعة للطبيب فقد زرت عيادته مسبقا وبالتأكيد لا أذكر إطلاقا أن ذلك حصل. اخيرا وصلت عيادة الطبيب وسألته ماذا حدث لي ليقطع الشك باليقين. أخبرني أنني تعرضت لحادث سير انا وصديقاي وعندما أدخلوني إلى العملية كنت حالة ميؤوسا منها وقال لي أنه حتى بعد انقضاء العملية كنا بصدد إصدار شهادة وفاة لك .
هنا كانت ولادتي الثانية من رحم الموت، حاولت التأقلم مع حالتي ومع المحيط الذي أعيش فيه. بعد بضع شهور عدت إلى الجامعة محاولا التعايش بشكل طبيعي مع الناس الذين كانوا يسألونني في كل مرة عن الحادث ويعيدوني إلى نقطة الصفر وعندما أخبرهم أنني لا اذكر شيئا فمنهم من كان يرفع صوته باستغراب ويقول: "كيف مش متذكر!" ومنهم من كان يرهقني بنظرات الشفقة على حالي ومنهم من كانوا يذكرون لي عندما زاروني في المستشفى وكيف كانت حالتي وكيف أن الممرضين أغلقوا غرفة الطوارئ ومنع الزيارة على مرقدي لإكتظاط الزوّار ومنهم حتى من كان يصف كيف كانت هيئتي وبصراحة كان ذلك يؤذيني بطريقة أو بأخرى. الجدير بالذكر أنني قبل ذلك كنت قريبا من الهيئة التدريسية والطلبة -يمكنك القول كنت الرقم واحد في الكلية- لكن حالتي كانت قطعا غير سويّة للعودة لذلك.
تأرجحت محاولاتي تارة هنا وتارة هناك وكما كنت أسقط في الطريق بسبب اختلال توازني وقدرة أقدامي المحدودة ثم أنهض، كنت كذلك في الاندماج في المجتمع الطلابي والمسار التعليمي. وعلى ذكر التأقلم كان هنالك أشياء في غاية السهولة ولربما يمكنك تسميتها بديهيات كانت تستنزف طاقتي حتى افعلها بشكل صحيح. كنطق اسمي الكامل بشكل مفهوم؛ فأصبحت احتاج تكرار التعريف بنفسي مرة تلو الأخرى حتى يفهمني من أتحدث إليه. ولا أخفيك أيضا، لم أكن أذكر تماما كيف كانت مشاعري وعلاقاتي مع معطم المجتمع الطلابي أو إن كان قد وقع خلاف أودى بعلاقة مع أحدهم في مهب الريح قبل دخول هذا المعترك؛ فقد نسيت ذاك كله وكانوا بكل وضوح تظهر منهم مشاعر الشفقة وتحت عنوان "الله يعينه مش متذكر اشي"، لم تأتني فكرة وجود اختلاف لقيمنا ومبادئنا فكنت غارقا في فكرة العالم الوردي وإنقاذ العالم من اي مشاعر تؤدي للتفرقة. وفي سياق التأقلم، كل من عرفني لم يتأقلم مع حالتي.
قد لا يكون مخيفا أن نمر بتلك الأماكن المظلمة أو نمشي كل الطريق الطويل إلى المجهول، لكن ما قد يكون مخيفا دائما أن تمشي وحدك. أتت محاولات التأقلم تلك تحت عنوان الفشل الذريع؛ إذ أن غالبية الأشخاص الذين كانت تجمعني بهم علاقة طيبة في حياة الجامعة أو خارجها قرروا التخلي عن مرافقتي بسبب ظنهم أنني قد فقدت الأهلية العقلية لسلوكي غير المفهوم فكنت أرى وأسمع ما يصفونني به أن حياتي تقريبا انتهت كشخص عاقل راشد، كانت الأشياء كلها تمر بجانبي سوى هذا الخذلان فقد مر من خلالي وترك علامة فارقة داخلي، أتعرف معنى أن تعيش منقوص الذاكرة وحتى معظم الإنجازات في ماضيك التي يفترض ان تفخر بها لا تذكر منها سوى لمحات. على الصعيد الآخر كانت رحلتي العلمية تهوي إلى الضياع بسبب تراجع قدراتي العقلية وأذكر يوما أنني خرجت من محاضرة وبعد خروجي مباشرة أخذني التفكير إلى مكان ما في حياتي ثم تذكرت أنني أردت ان أطلب شيئا من مدرس المادة، حاولت العودة إلى قاعة المحاضرة لكن هيهات أفعل ووقفت لدقائق محاولا تذكر المحاضرة التي كنت فيها او المدرس او حتى مكان القاعة لكن سجلت فشلا آخر، وعلى ذلك فقس لعدة أشهر.
على مستوى الحياة الاجتماعية اعتقد أنه يمكنك أن تتوقع كيف كانت بناءٌا على ما قرأت سابقاً ، لكن لا مشكلة سأقوم بتوضيح بعض التفاصيل. في البداية دعني اطرح تساؤلا ، هل من الطبيعي ان ترى شخصا يبلغ واحد وعشرون عاما لكن ترى أن عقله لم يتجاوز أبسط مراحل الوعي!، من شدة وطأة ما عشته نعم كنت كذلك. على كل حال كان الناس يسعدون بلقائي في البدايات ولم يتجاوز الأمر البدايات بعد ان يتعرفوا على حالي عن كثب وكم أنا تائه حتى في مجارات الكلام البديهي او مهارات التواصل البسيطة. وحتى أنني التقيت بالعديد من الأشخاص وكانوا يحبون ان نقضي وقتا أكثر معا ، لكن في المرة التي ألتقي بهم بعدها، أكون قد نسيت أننّا التقينا مسبقا وبالطبع لا اعرف أسماءهم.
رأيتني سيئا جدا بعد أن تعددت المواقف الساذجة مع اثنان من أعز رفاقي اللذان لا أستطيع أن أوفيهما حقهما في ما كان من أجلي وإن شاءت الأقدار أن يمر بين أيديهم هذا الكلام أريد أن أخبرهم أنني لم أقصد أبدا ان أزعجهم ولكن كان كل شيء خارج عن سيطرتي في ذلك الوقت، أنا حقا أعتذر وإن كان الأمر مر عليكم صعبا لمرة فقد كان يمر علي كصعوبة المشي على صفيح مشتعل كل يوم لمرات .
على ترانيم الامل بدأت أشعر بالتحسن والعودة إلى الحياة الطبيعية وأعددت شراع سفينتي لأبحر من جديد في بحر الحياة. في تلك الفترة شعرت بمشكلة في ساقي وتذكرت أنه قد قيل لي أن الطبيب في وحدة العناية الحثيثة ذاك الوقت كان قد أخبر أخي أن قدمي اليمنى وارد أنها تعرضت للشلل او تعاني من مشكلة حركية كبيرة. ذهبت لعيادة طبيب مختص وأخبرني أنني أعاني من مشكلة في الرباط الصليبي للقدم اليسرى قدم مختلفة على أثر الحادث ذاته وقد أحتاج لعملية جراحية، لكن يمكنني تجربة العلاج المناسب والأدوية في الوقت الحالي. تيقّنت في ذلك الوقت ان الحروب التي نخوضها يمكننا تجاوزها فقط بالتسلّح بالصبر واستمرارية المحاولة. كانت الجامعة تثير في نفسي شعور بقدرتي على التحسن، تواريت عن أضواء الحياة الاجتماعية قليلا فبدأت العمل على نفسي للوصول إلى أفضل نسخة مني. بالفعل، رأيت نفسي أتطور يو ما بعد يوم. بدأت الترتيب لاحتفال داخل الجامعة بمناسبة تأكد تخرجي نهاية الفصل الدراسي وخلال تلك الفترة تواصلت معي إحدى شركات الطيران العالمية لمقابلة وظيفية، كنت متحمسا ويملكني شعور الرضا والسعادة. ظننت أن تلك الصفحات قد طويت وأن ذلك الجزء قد انتهى آملا أن ابدأ جزءا جديدا من حياتي مكللا بالنجاح، ولكن مع انتشار فيروس كورونا؛ كل شيء توقف. كانت خيبات الأمل صاخبة ومن هذه النقطة جلست حبيس أفكاري وأحاول أن أخفف على نفسي بكل ما هو ممكن. أحيانا يكون من أفضل الحلول في التقدم أن تجلس مكانك لترتاح قليلا، سمعت هذا كنصيحة من شخص مقرب. لاحقا تم طلبي لمراجعة اللجنة الطبية لتقييم حالتي الصحيّة فتم تشخيصي بمتلازمة ما بعد ارتجاج الدماغ وتقييم حالتي بعجز بنسبة 60٪ من كامل قواي العامة، أخذت قرارا حازما أنه يجب علي التخفيف عن نفسي من أي حِمل قد يثقل كاهلي وتوجهت لأخصائي نفسي واخبرني أنني تخلصت من جزء كبير من تلك المتلازمة خلال الرحلات الطويلة التي خضتها مسبقا وقد يتبقى بعض الآثار الجانبية مرافقا لي على المدى البعيد كالنسيان وقلة التركيز ولكن يمكنني تجاوزها بجهد إضافي.
الإرهاق النفسي الذي يسببه الفراغ وتشتت الأفكار يوازي قدر الإرهاق الذي تسببه بعض الأمراض المزمنة، وكنت يوميا أخوض سجالا مع ذاتي حول إيجاد سبيل أعود فيه لحياتي الطبيعية وكيفية بذل جهد إضافي على محدودية قدراتي العامة وعثرت على عدة طرق من خلال الإنترنت للتعافي ورحبت بجولة اخرى من المحاولات، كان من أساسيات الاستشفاء في حالتي أن أحافظ على التواصل مع الناس وخوض تجارب جديدة ومع الأسف عرفت ذلك خلال فترة الحجر المنزلي التي تسببت بها جائحة كورونا، لا أنكر أنني دخلت في حالة مريعة من الضياع، لكنني قررت مواصلة التعافي. من سخرية الحياة خلال هذه المرحلة أُدخلت مجددا لإجراء عملية الرباط الصليبي والتحقق بالمنظار من سلامة قدمي اليمنى وإزالة صفيحة البلاتينيوم من ساعدي الأيسر. قضيت بعدها أربعة أشهر لا أستطيع المشي بدون عكاز أو مساعدة. لاحقا في ذلك العام انضممت لبرنامج خطى الحسين من مؤسسة ولي العهد وفتح لي السبل للعمل على التطوير الذاتي وبدأت أرى بصيص أمل من تلك النافذة في حياتي التي طمسها لون ما، لا أريد ان اقول اسود لكنه كان يحجبني عن الطريق؛ فسمه كما شئت .
أيبدو الامر في غاية التعقيد! لا تقلق فهذه كانت الأجزاء الأولى من تلك الرحلة.
خوضا في تطوير الذات، كنت اسأل نفسي يوما هل يمكنني تعويض كل تلك الفرص او العلاقات التي خسرتها! العجيب في ذلك افتراضي أنه لو كان هنالك جهد إضافي أكبر سأستطيع تعويض نفسي حتى مرت امامي صورة مكتوب فيها: "رحلة الألف ميل أحيانا لا تبدأ، تصالح مع الأمر"، شعرت بأنني كنت أجهد نفسي باختيار المواصلة في رحلة تعويض بينما كنت أستطيع أن اخطط لرحلة جديدة قد تكون بمسافة مئة ميل فقط. "تصالح مع الأمر"، لم تفارقني هذه الجملة حتى اللحظة وشرعت بالسؤال كيف أتصالح مع ذاتي! وتغمرني عناية الله مرة اخرى باستكشاف نظرية سيجموند فرويد عن التكوينات الأساسية لشخصية الإنسان. ومنذ ذلك كنت كل ليلة قبل النوم يأخذنا الحديث انا وذاتي للتصالح مع الأمر . بعد فترة تكررت فيها احداث متشابهة لتلك بدأت اشعر بتحسّن طفيف وشغلت عددا من الوظائف في شركات مختلفة على حسب ما أذكر كانت على الأقل عشر شركات لكن وضعي الصحي سواءا النفسي أو الجسدي، كان دائما ينعكس على أدائي، مما أدى إلى استغناء تلك الشركات عن خدماتي بعد معرفتهم بحالتي إذ أنني قد اكون عبئا على العمل، وعلى الرغم من تلك التحديات رأيت العديد من النعم التي أنعم بها الله علي لم أكن سأراها قبل أن أمر بكل ذلك، وهنا أدركت أن مروري بهذا الطريق كله كان نعمة قبل اي شيء آخر
.
نتيجة كل ذلك أنني لا زلت أحاول، وفي كل مرة أسقط فيها أرى آفاقا جديدة تجعل في داخلي حافزا لمواصلة الرحلة وحيدا للأسف؛ فلم أكن ناجحا في بناء أي علاقة أتكئ عليها. كنت أردد في داخلي أنه ستنتهي حياتنا يوما، فما الذي قد يكون مفزعا سوى الاستسلام. وبعد انتهاء عقد جزئي لي في احدى الشركات رأيت أحد الآفاق الجميلة عندما التقيت بدينا سعودي، بالمناسبة دينا إن مر هذا بين يديك أريد أن تعرفي أن ذلك اللقاء أخذني لمستوى جديد من الأمل، ممتن جدا دينا.
على هامش الرحلة، وردتني عدة تساؤلات كيف أنني لا أتوجه إلى عائلتي لحل تلك المشاكل. كان لتلك التساؤلات جواب واحد: لا أ ريدٌ أن أرهقهم بمشاكل فقد عانوا كفاية بسبب، وكان اخوتي دائما يسألونني لو كنت في حاجة شيء او إن كان بإمكانهم تقديم المساعدة وكان الجواب دائما لا. ليس استغناءا عن أقرب الناس، لا أعلم كيف يمكنني أن أصف لك شعور العجز وأن ترى نفسك دائما تتلقى المساعدة وتكون عالة على من حولك، أتصور أنك فهمتني. في الحياة العملية ما زلت إلى الآن تائه كلّيا عن ايجاد مساري المهني أو مجاراة متطلبات العمل رغم كل العقود الجزئية التي حصلت عليها؛ فيرى أصحاب القرار في مكان العمل أنني شخص سليم تماما ويطالبوني بمهام أكبر من إمكانياتي ولم أستطع إثبات قدراتي على حسب قولهم. مؤخرا التقيت بشخص على كرسي متحرك وعندما تعرف على حالتي قال لي: حقا أشعر بك والعالم لا يرى او يتفهم عجزك على عكس حالتي واضحة للجميع على كرسي متحرك. على كل حال لكي لا تشعر بالملل أود ان نتشارك سرا عن ذلك، لم أخبر تلك الشركات أنني سأستمر بالمحاولة بغض النظر عن كل ما يظنونه.
تتحقق أمانينا بطرق لم نتخيلها، فقد كنت أتمنى وانا في سن مبكرة أن تكون حياتي مختلفة وأن أستطيع اضافة شيء ذا قيمة لهذا العالم ولربما كان كل ذاك سبيلا لتحقيق أمنيتي. كل شخص لديه ظروفه المختلفة وقدراتنا حتما ليست متشابهة وجميعنا نعيش في نفس العالم الذي قد يسميه البعض عالم بائس وبعضنا يسميه عالم سعيد وجميعنا قد نمر بكلا العالميْن باختلاف الظروف وبما أن هنالك إيمان مطلق باستمرارية المحاولة آخر طريقنا سيكون هنالك نور .
في نهاية قصتي قد تظن أنها بطولتي، لكن الأبطال الحقيقيون فيها هم: والدي رحمه الله الذي علم بوضعي وهو في أصعب مراحل العلاج، وحمد الله على كل حال، وطلب من العائلة التنازل عن الحق القانوني إذ أن صديقي هو من كان يقود السيارة. والدتي، التي لم تستطع التكيف مع صدمة خبر حادثي ثم توفي والدي بعد فترة وجيزة . وما زالت إلى اليوم تكلأني بالحنان والحب. إخوتي، الذين تركوا كل شيء وكانوا يحاولون التخفيف عني وعن والدتي بكل ما لديهم وهم في نفس المصاب وليومنا هذا أراهم يجعلونني أصعد سلم التعافي. قد أكون بطلا في هذه القصة لكن حتما لست صاحب الدور الرئيسي ولم أكن سأستطيع تجاوز كل ذاك لولا بطولة عائلتي.
ها أنا اليوم بعد كل ذلك الوقت على مرور تلك الحادثة، أحاول الوصول إلى عتبة الخروج من هذه الدائرة سائلا الله عز وجل أن يهيئ لي من أمري رشدا. ولا أخفيك ما زلت أحاول في كل الفرص المتاحة ولربما هنالك طريق آخر سأسلكه تكون نهايته ذلك النور المنتظر.
والآن خلال كتابتي لهذه المسودة ذهبت إلى عيادة طبيب في قسم مختلف كليا وبعد أن إطلع على تاريخي الصحي أخبرني أنه من الممكن أن تكون هذه المشكلة متعلقة بالأعصاب فمن الأفضل أن أعود للعيادة التي كانت تشرف على حالتي قبل ست سنوات وبالفعل ذهبت، أخبرني الطبيب المختص أن المشكلة غير مرتبطة بالأعصاب الحمدلله ولكن بعد التقييم تبين أنني يجب ان اخضع لخطة علاجية لأعادة تأهيل الأعصاب وقام بتحويلي لأخصّائي آخر أيضا. لا مشكلة ولتكن محاولة أخرى لعيش حياة طبيعية .
في الختام أعرف أنه قد يدور في ذهنك سؤال عن بعض التفاصيل، لست أخفي عنك شيئا ولكن لهذه المسودة عدد محدود من الكلمات. على كل حال سأترك لك صفحة فارغة تضع فيها ما تريد معرفته بشكل مفصل وسأجيبك عنها بكل سرور.