عندما أفكر كم مر في حياتي من أشخاص يستحقون أن نطلق عليهم لقب قدوتي في الحياة، يخطر ببالي تلك المرأة الصابرة، تلك الأم التي كافحت وأصرت على أن أكون ذات كيان ولي قيمة في الحياة. لم أنسَ يوماً سعيها وإصرارها لتخرج مني أفضل نسخة. كانت الشخص الذي يشحذ همتي كلما وهن نصل عزيمتي. إنها أمي.
وعندما أفكر وأتعمق في الأحداث الحالية ومفهوم القدوة، يلتقط عقلي أيضاً وميض أولئك الصابرين في الخيام، أصحاب الإيمان القوي، في الفترة الأخيرة سكان تلك البقعة الصغيرة في الأرض، سكان غزة. منهم من فقد الأم والأب وتشاهده مقبلاً على الحياة يفكر أنه بعد الحرب سيجتمع مع بقية أهله ويعيشون بسعادة. هذا يذكرك أنه رغم الفقدان في حياتك لأشخاص أو أحلام، عليك أن تنقل بيادق آمالك لتبدأ الحياة من جديد. إنك معافى رغم ما يصيبك من نوائب الدهر وإن ثقلت، لذا عش حياتك يا من أنهكتك الحياة بأعبائها. فعندما أرى عزمهم، يتبدد الضعف في صدري إلى قوة كبيرة للاستمرار في الحياة، رغم ما يخالج نفسي من التفكير المرهق أحياناً.
تحدثتُ من أيام مع صديقة لي تصغرني في الأعوام لكنها تفوقني معرفة. أتحدث عن صديقتي هبة، هي فتاة متفوقة دراسياً ومبدعة في الكتابة. كانت تخبرني دوماً عن حماسها واستعدادها لأول يوم جامعي قبل الحرب بأسبوع، لكن هذا اليوم لم يأتِ، فقد انتهى قبل أن يبدأ بسبب تلك الحرب الجائرة. ولكن من تواصلي معها أرى أنها تحاول أن تكون فتاة صالحة. تقول لي مؤخرًا إنها تحاول أن تحفظ القرآن وأن لا تنقطع عن أي نوع من أنواع التعلم الذاتي في خضم الحرب. كلامها يجعلني، وأنا جالسة في بيتي آمنة بين أهلي، أسعى بشتى الوسائل أن أتفاءل وأن لا أستسلم في البحث عن وظيفة، وأن لا أيأس مهما أُغلقت الأبواب، فهناك دائماً أبواب لم تُفتح بعد. فلا بد أن لا أبقى عالة على نفسي. فما فائدة الإنسان إن لم يكن جلداً مثابراً مقبلاً على الحياة بأمل؟
ولذلك، ثمة قدوة لا يجب أن أنساها، وتلك القدوة تعيش داخلي. إنها نفسي التي خاضت معارك في الحياة، تخبو أحياناً ولكنها لم تستسلم يوماً. عندما أعود إلى الماضي وأرى كيف لهذه الروح المضي قدماً، كيف تحملت هذا الكم الهائل من ضغوطات الحياة واستمرت بالعيش ورفضت دائماً أن تكون مع من لا يشابهها، بقيت صافية طيبة. أستغرب فهي حقاً تدعوني وتذكرني دائماً أنني أستحق الحياة الأفضل. أظن أني فخورة بما وصلت إليه نفسي، وإن لم أجد في ذاتي ما يستحق التوقف والتأمل والاحترام الذاتي، كيف لي أن أتبع أثر العابرين؟ كيف أؤمن بما يقولون إن لم تكن ذاتي تدفعني لأن أمضي وأتبع خطاهم؟ مالم أظن أن هذه الذات عظيمة، وعلي أن أزيد من قدرها بالسير على خطى أشخاص يستحقون التبعية.
هذا هو تأثير القدوة على حياتك. من منا لا يملك أكثر من إنسان أثر به إيجاباً أو سلباً؟ لكن اختر القدوة الإيجابية التي تجعلك شخصاً قابلاً للحياة، شخصية تغير سلوكك.
لنتذكر أنفسنا أننا بطبيعتنا البشرية نحتاج إلى التغيير نحو الأفضل، ذلك التغيير الذي يشعرك بالرضى. نحتاج لذلك المحرك الخفي والدافع لك، المدعو بالقدوة، لإحداث التغيير الفاصل لتعيش الحياة على أكمل وجه يرضيك. اكسب لنفسك من محيطك أو من خارجه قدوة واربطها إيجابياً مع سلوكك، فالحياة قصيرة لنعشها ولنكون أفضل نسخة من ذواتنا باختيار ما يزيد عزيمتنا، مطبقاً ما أثرته قدوتك عليك. وحتى ذلك الحين، ستكون قدوة لنفسك لأنك أبقيت جزءاً من أولئك الأشخاص بداخلك وطورت من ذاتك. ويوماً ما ستصبح أنت قدوة لغيرك يا من آمنت بذاتك أولاً، ويبقى أثر كلامك وأفكارك وأعمالك جزءاً من سلوكيات شخص آخر، بحيث كلما عاش هذا الشخص تذكرك في أفعاله وقال: لقد ترك في ذاتي أجمل الأثر ورحل. فنحن كالزهرة، لا يبقى من وجودنا وإن طال سوى ذكرى أريجها.