
لطالما وددت ان احكي قصة ذلك البطل في عمر التاسعة عاد مسرعاً لوالده فرحاً وفخر الدنيا يتلألأ في عينيه -" يا أبي! قالَ لي المعلّمُ اليوم أنّك من أفضل الطلبةِ عندي أنصحكَ أن تكمل دراستك في مدرسة السلط ( وقد كانت تقريبا هي المدرسة الوحيدة في الأردن حينها اي عام ١٩٣٥) -" يا محمد! ألا يكفيك كل تلك السنين في الدرّاسة ( اربع سنوات)! أتوّد ان تقضي عمرك هكذا؟! يا بني يكفيك ولتعمل لكي نؤمنَ طعامنا نحنُ وأخوتك.
بقلبٍ حزين بتقبلُ كلام والده ويضمُّ على صدرِه شهادّة شيخ الكتّاب ويلتحفُ رداءَ العمل ذلك الطفل الصغير لكنّه يحمل على عاتقه مسؤولية رجل؟ كيفَ لا ؟ أمّه ووالده وثلاثةً من أخوته يحتاجون لتأمين لقمة العيش وبدأ الكفاح منذ ذلك الوقت ..
كانَ والدي من مواليد ١٩٢٦ وعندما كان يذهبُ للحصاد وللعمل بالسُخرة في حقول الناس يهزأُ من حجمه وصغر سنّه من كانوا رجالاً لكنّ اصراره على اتقان اي عمل يقوم به يجعله ناجحاً وبجدارة… محمد و إخوتهُ العشرة عملوا بجدّ لكن بتفاوت منهم من كان يعمل لنفسه ومنهم من كان يعمل لأجل العائلة وأجمل ما كان من والدي أنّه اقتطع دائماً من قوتِ بيته وأولاده لأخويهِ الأصغر سنّاً ليكملا تعليمهما.. شارك ابي في حروب الكرامة وحرب الفدائين وسقط اخوه شهيداً ولم يعثر على جثته بل كانت من ضمن المقابر الجماعية التي لجأوا اليها وقتها.. كانت لأبي عائلة كبيرة ابناءٌ وبنات وبقي حبّهُ وشغفهُ للعلم كتبَ القصائد ونظمَ الشعر وامتلك اجمل خط عاصر حروباً رأى اول بنطالٍ يُلبس في عجلون ..وشاهدَ التلفون المحمول والستالايت الذي كان مصرّا انه (سكالايت ) يحضر له اخبار الدنيا ويطمأنه عن حبيبته القدس.. رأى أبي اختلاف العصور واختلاف الفكر والثقافة عاصر دخول الأتراك على البلاد وفقد اربعة من فلذات اكباده أحدهم كانَ رضيعاً واثنين كانا شابين يافعين واخرهما كانَ ابنه المغترب الذي لطالما انتظره وفي اخر زيارة له لم يعرفه .. اجل ففي عمر ال ٩٠ هزمَ والدي البطل أشرسَ عدوّ … ذلك الذي يُذهب العقل فلا تعد تعرف من أنت ومن تكون ( الزهايمر) لكنّه في ذلك اليوم عندما كانَ على سريره بنصف جسد هزيل لا يعرف احد رتّلَ آياتٍ يحفظها .. ونادى أمي ( التي لم ينسى اسمها قط) وبكى ..
ربما ابي قد نَسي .. لكنّه بطلٌ باق