كانت تُسمى نيزَكاً حامِلاً الأماني اليقينة، ربّتُّ على كتفي وضمّدتُ جرحي ، جعلت من بأسي راحة ومن خوفي أمان، لم تكن رفيقةً أو أخت كانت ولا زالت ضوءاً يلمعُ في روحي المخلدة لروحها، أُعرفها بالقوةِ والمرونة، واجَهَت الكثير من الأوقات العصيبة بزهزقةٍ على وجنتيها، هي من عانقتني حين كنتُ أفتقرُ إلى عناقٍ دافئٍ يردم إبتآسي، طيبةٌ كنسماتِ الصيف الرقيقة لذا غدوتُ محتاراً كيف أعيش إذا ابتعدنا؟
من الطبع أنتِ الشخص الفريد الذي يَعلم بأنني لا أُهدي حُروفي إلا لمن يُحبهم الروح النقي، ومن يختاره الفؤاد الضعيف، فقد إختارتكِ حروفي لتكوني ذلك الشخص. لا أغفلُ عن تلك المواقف التي قدمتِها لي، أذكرُ حين قبضّتِ بيدي لأكمل مسيرتي العلمية، حينها كان ينقصني بعض القِفار وأيضاً أعاني من إرهاقٍ شديد ولكنكِ لم تتذبذبي أبداً في مساعدتي، ذهبتي مُسرعةً لتوثيقي لأُكمل مسارَ طريقي، قدمتِ لي الصبوة والمودة، وهبتِ لمُهجتي طعمَ الجُل، تلقفتُ منكِ معنى الإخاء، عاونتِني حين فطنتُ وكأن العالم بأسرهِ خصمي.
أذكرُ في ذاك الوقت كانت الأرضُ زاخرتاً بالقحل، كأنها تتناقضُ ما في اللُبِ من حزنٍ عميق، كل شيءٍ من حولي بدا شاحباً، حتى أصوات العصافير فقدت وضائتها، كنتُ أشعرُ بثقلٍ في صدري وكأنَ الهواء قد أصبح نادرًا، كل ما أدركتهُ أنني غارقةً في دوامةٍ من الحزن لا أعرفُ متى ستنتهي، أقبلتِ نحوي ممسكةً بيدي ربَّتّ عليها بلين، وضعتِ يدك الأخرى مكفكفةً على رأسي وكأنني طفلتكِ، قبلتِ جبيني وبدأتي بسؤالي: "ماذا جرى لكِ، من الذي أبكى عيون البُن الجميلة" أخبرتها ما سبب إنزعاجي وأنا أذرف الدموع، قامت بمسح تلك الدموع بيدها الملساء مرددةً " لا أراكِ الله مكروهاً وأبعده اللهُ بُعداً كما باعد بين المشرق والمغرب" وقامت بإرشادي نحو طريق الصواب وأنه لا شيء يستحق دموعي، إبتسمتُ لها وعانقتُها كطفلةٍ تعانق والدتها، لا أغفلُ عن كل مرةٍ كانت طبيبي النفسي والإجتماعي وكم من نصيحةٍ قدمت لي، وفي كل مرةٍ تُذكرني باللجوء الى الله يزداد حبي نحوها، أستذكرُ ذاك الموقف الذي ترك أثراً بي إلى الآن، عندما كنا نجتمعُ مع زملائنا كنا ندردشُ في إحدى المواضيع وتذكرتُ أمراً مؤلماً مشابهاً لموضوعنا، امتلأت عيناي بالدموع، لاحظت صديقتي أنني لستُ بخير وأنني إستذكرتُ تلك الغصة التي كادت تخنقني بشدة، فجذبتني برفقٍ وخلوت بي بعيدًا عن صخبِ زُملائي، همست في أذني: "عزيزتي، لقد رُفعت الأقلام وجفّت الصُّحُف، ولا زلتِ تذكرين تلك الغصة" توقفي عن جلدِ ذاتك فواللهِ لا شيء يستحقُ هذا الحزن، نظرتُ إليها فاضت عيني بالدموع وأجهشتُ بالبكاءِ طويلاً، واكتوى القلبُ بلهيبِ تلكَ الذكرى التي لا زال لهيبُها يأسرني، خرخرت على صفدي وقالت: أتمنى ان تكون تلك الدموع التي ذرفتيها ستروي صحراء قلبكِ، أُيقنُ يا عزيزتي أنها ستجرفُ صخور الكتمان التي كادت تسحق قلبكِ، سلمي أمركِ لله وسيجبرهُ يا عزيزتي تأكدي من ذلك.
أمسكت بيدي وقالت لي: هيا فلنعود قبل أن يأتي أحد زملائنا، ذهبنا الى الداخل بدأنا نتحدث ونقهقه وكأن شيئاً لم يكن، ذاك الموقف جعلني أنظر إليكِ ليس كصديقة بل كوليفٍ للروح، كلُ كلامٍ يخرجُ من فمها يتركُ أثراً جميلاً أينما حلّت.
الله وهبها لساناً ليّناً يبوحُ بكل شيئٍ جميل، تلونت نظرتي لها لأستضيفها الى منزلي لشرب الشاي، قبلت دعوتي وجاءت لتزهر المنزل بوجودها، جلسنا بغرفة المعيشة نحتسي كوب الشاي وندردش قليلاً عما جرى عند زميلتي وكيف كنتُ منزعجة، نَظرت لي وكأنهُ دار بيننا حواراً صامتاً، كانت تُخبرني أنها ستُمسك بيدي مهما جرى، وليكن قلبي وعاءً للإيمان واليقين، كانت تردد ذلك الدعاء الذي كلما ضاقَ صدري وضَعُف جسدي رددته "اللهم إني أتبرأ من حولي وقوتي والتجئ إلى حولك وقوتك"، تابعت كلامها قائلة: الحياةُ يا صديقتي ليست دائماً على الوجه الذي نحب، هي ترمينا أحياناً بسِهامِها وتطعنُنا بخناجرها وتكسرنا بقسوتها، تُقَيدُنا بأغلالها، نحنُ في كَبَدٍ مستمر وفي جهادٍ لا ينقطع، ما أنصحكِ به يا عزيزتي هو دعاءٌ جميل أُيقنُ أنه سيغير حياتكِ إلى الأفضل، تَهدأ بهِ خفقات القلب أمام معانيه، ردديه بقلبٍ مُنكسر وانظري كيف سينجبر! قولي: "اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نفِسي إِلَيكَ، وَفَوَّضتُ أَمري إِلَيْكَ، وَأَلَجَأْتُ ظَهرِي إِلَيْكَ، رغبةً ورهْبَةً إِلَيْكَ، لا مَلجأَ ولا مَنجي مِنْكَ إِلاَّ إِليكَ، آمنتُ بِكِتَابِكَ الذِي أَنزَلْت، وَبِنَبِيِّكَ الذِي أَرسَلتَ".
هذا الدعاء يا عزيزتي بَلْسَمٌ لكل من ضاقت به السُبل، كلما إعتصر القلب، وجفت العين وغرقنا في بحار الضيق والقهر، فلنُسلّم أنفسنا إلى الله ومن أرحم بنا من الله؟
ولنفوض أمرنا إلى الله، أليس هو العادل في حُكمهِ الحكيم في كل أمره؟
من أعظم منه حتى نفوض أمرنا لغيره؟
ونُلجِئُ ظهرنا إليه، وهنا في واحة هذا اللجوء نستريح ونطمئن، إذ نعلم أننا لجأنا إلى العزيز في ملكه، فنحتمي فيه فلا نخاف ونحن بجوار رب الأرض والسماوات، هذه الكلمات ردديها يا عزيزتي بقلبكِ، تدبريها حرفاً حرفاً كلمة كلمة.
إنتهت بكلماتٍ كادت أن تستولي على حنايا قلبي، أشعرُ أن حياتنا تهدأ عندما نكون على فطرتنا السوية التي تؤمن أن أول الأمر وآخره بيد الله وحدهُ، فنطمئِن ونستسلم لأمرِ الله ونعلم من ندعو وبمن نستجير والأجمل أن ليس بين العبدِ وربهُ إلا الدعاء، صديقتي التي لا زلتُ أُحبُها أنها تشبِهُني من زاويةٍ مختلفة و غير متوقعة، لا تشرحُ بتاتاً ولا يفهمّها أحدٌ سِواي وأيضاً لا أحد يفهمني غيرها، أشكركِ للفرح الكثير الذي تكونينَ أنتِ السببَ فيه، فأنتِ خيرُ جليسٍ لي في الدُنيا و أتمنى من الله أن يجمعنا في جنات الفردوس، يستهويني عندما رافقتِ اسمي بدعواتكِ طوال فترة مرضي، عندما دعوتي لي بإخلاص لأستعيد عافيتي، الحمد لله بأن الله عز وجل قد منّ علي بالشفاء وعدتُ إليكِ بشوقٍ وقلبٍ جديد يحملُ لكِ من المحبة والثناء أكملهم، لقد كنتِ سندي وعوني حتى تمكنتُ من تخطي تلك الأزمة التي إخترقت جسدي بأكمله، لا أعلم كيف سأعبر عن مدى إمتناني لوقوفكِ إلى جواري في تلك الأزمة التي كادت أن تقضي على حياتي، ولكن الكلمات محال أن تفيكِ حقكِ الكبير، أعلم أنه ربما تقذفُ بنا مجريات الحياة يميناً ويساراً دون هوادةً أو رحمة، ولكنها تجبر ما فعلت عندما تقدم إلينا شخصاً حنوناً دافئاً يسكبُ الأمل و الحياة في قلوبنا و يربت عليها بحنوٍ ينسينا جفاف الأيام الصِعاب و يشحذنا بالعزيمة للإبتسامِ في وجه الحياة، تربينا سوياً، وكبُرنا سوياً، وبين الطفولةِ والشباب حكايات تحكيها الأيام والليالي عن أصدقاءٍ لا زالوا أصدقاء.
أتمنى يا وليفة الروح أن يكون لي جناحين لأطير، وأن أزوركِ وقتما أريد، فالبحار التي بيننا ماهي إلا مسافات، ولكنّكِ بالقلبِ تسكنيه.
أنتِ البطلُ في حكايتي، والصديقُ لذاتي، والناصحُ لضميري، وهيامُ فؤادي، تُعادلُ مليون نجمةٍ تبرقُ في السماء، تقف حروفي وكلماتي عاجزة تماماً عن وصفكِ ووصف حسنكِ، دمتِ لقلبي شيئاً جميلاً يزينُ حياتي، سلامٌ عليكِ محبوبتي عندما تكبرين معي في الشعور والحب كلما كبرنا في عدد السنين.