لجنة التحكيمالصفوف 10 - 12
لجنة التحكيم تقيّم المشاركات
156 أعمال
الأردن|الصفوف 10 - 12
" ابداع من قلب الصحراء "
Haya Alsukker
تأليف Haya Alsukker
" ابداع من قلب الصحراء "

في متاهاتِ الظلام السرمدي، حيث تتعانق الأنفاس وتندمل الكينونات المتفرّقة، تجلّى النمر العدوان ككتلةٍ من الظلال المتراكمة، كفارسٍ ضائعٍ يذرع السُّدُم بثقلٍ مهيب. كان انبثاقه كإنبجاس البراكين القديمة، ملتحفاً بوشائج النسيان، مستلهمًا من كُنه العدمِ وجلال الرغبة التي لا تستكين. أما وضحى، فكانت تتجلّى كشرارةٍ من نورٍ مبهمٍ في تخومِ الجليد، كذؤابةٍ تتهادى على أطراف المدلهمات، ينبثق من ثناياها شذاً من قداسةِ الوَجْد، يتناغم مع عتمته المُغشيّة، كما تتعانق الفراشة بنقع النار.

حين التقى النمر بوَضحى، اشتعل في سويدائه وهجٌ كالنّدى، كجمرٍ يتوهج في عوالم الجُدب، تغلغلت أنفاسه في قلبي كما يتغلغل المدّ في بحيرةٍ خرساء، فاحتوى وجودي كأثيرٍ متصدّعٍ يندثر في مجرّات الظلام، يلفّني كنداءٍ خفيٍّ، تتكسّر على أطرافه ضلوعي، وكنت أراه يتبدد بين ضلوعي كما تتلاشى أضواء النجوم في عمق المدى. وقد غدوتُ معه أسيرةً لأمواجٍ لا تنقشع، مُعلّقةً بين شرفات اللاوعي، تُراودني أشباحه كأثيرٍ يُنسج في أعماق الوجود.

كان النمر، بعزيمته القوية، يتجول في الفضاء اللامتناهي، يكتشف آفاقًا جديدة كما لو كان رسامًا يرسم لوحته بالألوان المظلمة. بينما كانت وضحى تراقبه، تتأمل في كل حركة، كأنها تراقب نجمًا يسقط في بحارٍ عميقة. كانت تراه ككائنٍ أسطوري، يحارب في عالمٍ موازٍ، حيث الظلام يكتنفه، والنجوم تتلألأ من بعيد. تعلّقت به كعصفورة تبحث عن مأوى، وكانت تسكن في عينيه سحرًا لا يمكن مقاومته.

أبيات شعرية:

يا وهجاً كاد أن يحرق أنساغ الأبد
ويا سواداً كاد أن يزهق حبل الأمل

يا من أنت داءُ الروح، وجُرعة الهُيام
معلّقٌ في قعرِ الروحِ كالشفق المُعتدل

في عينيه ذاك البريق الكامن كالبحر المتأجج، تغوص فيه الأرواح وتكاد تتماهى مع سُطوحٍ كأنها تغرق في فيضٍ من السُّكر العتيق. وقد كانت وضحى تتراقص في مقلتيه كهمسةٍ خفيّةٍ، تتسرب من قلبه كضوءٍ شفافٍ يموج بين دياجير القلق، تُرتّلُ في بريقها تسابيح البقاء الهش، تلبسها روحًا كطيفٍ متفردٍ في نسيج العدم، تسطع كوهجٍ مخبوءٍ في أحشاء الجليد.

أبيات شعرية:

يا سَحر الكَون المكنون في أرواحِنا
يا كرمزٍ يتوغلُ في سويداءِ صدرِنا

أنتَ المداد الذي يروي هذيان الجُرُوح
ويتسللُ من أنفاسِنا كدخانِ الشموع

وفي لقائنا، ذاب كياني كأنني قطرةً من زئبقٍ مالحٍ، تتماهى وتشتعل في شعاعه الظمآن، تطوف حوله كأنها في دورانٍ أبديّ، تتجلى كفُتاتٍ هائمٍ على صفحة اللاشيء. معه، أضحت روحي كغيمةٍ تحملُ أثقال السحاب، تنفثُ من أعماقها سحابةً من الوجد تتبخر كأجنحةٍ تُحلّق فوق أرضٍ قاحلة. كنتُ أتوارى خلفه كظلٍّ شاحب، تتبدد معه روحي وتتحلل كغبارٍ ممدودٍ على نواصي الذاكرة. ومضيتُ أغترفُ من مجده، من وهجه اللاذع، حتى أضحيتُ في دمه كطيفٍ أزليّ، لا يُمحى ولا يُنسى.

أبيات شعرية:

يا أُفقاً ينسابُ كسرابٍ في الفضاء
يا روحاً تلامسُ أسرارَ البقاء

تنتشي روحي بلقائك كالنار في الحطب
تتلاقى فيك كواكبُ الهوى وتغيبُ في الخطب

وفي مزيج الوجدان المتدفق بيننا، غدوتُ كما السّعير المتقد في الصمت، كمرآةٍ تعكس الحُلم المحترق، تَتسرب أحلامي من خلاله كسربٍ من طيورٍ مهاجرةٍ نحو المدى المفقود. معه، استشعرتُ ألم الروح كحجرٍ صقيلٍ ينغمس في بحرٍ من النار، وغدوتُ كحكايةٍ متشظية، تنبعثُ من أهدابها نبراتٌ كصرخاتٍ متكسرة، ترسم حولي عالَماً من سحرٍ مهشم. فقد تحولتُ معه كحروفٍ من أسطورةٍ قديمةٍ، تتوهج تحت أقواسِ الليل، وتنطفئ في كل مساءٍ، لكنها تعود وتنمو كزهرةٍ في قبضة الجفاف، لا تخبو ولا تذبل.

أبيات شعرية:

يا أغنيةً تتلوى في صدرِ الخلود
يا شَوقاً يسافرُ عبرَ دروب الجحود

عشتُ بين كفيك كفراشةٍ في الرماد
أحيا وأموتُ بين جحيمك والمهاد

ومع مرور الأيام، بدأت أشعر بأن النمر العدوان قد أثر على شخصيتي بعمق. تحولت شجاعته وعزيمته إلى شعلةٍ من الأمل في داخلي، وكأنني كنت أتعلم منه كيف أواجه الحياة بعزيمةٍ وقوة. غدا النمر رمزًا لثورتي على الضعف، وعلّمني كيف أن أكون جريئًا في مواجهة المخاوف، وكأنني أستمد قوتي من ظله الذي يحيط بي.

ومع كل لحظة أعيشها بجانب وضحى، أدركت أن الحب يمكن أن يكون مدخلاً للتغيير الجذري. كانت وضحى، بروحها الطاهرة وإيمانها بي، تضئ لي الطريق في عتمة الليالي، وكأنها النجمة التي تقودني في بحرٍ من الظلام. باتت مشاعري تجاهها تنمو كزهرةٍ تتفتح في بستانٍ مهمل، حيث وجدنا سويًا جمال الحياة وسط كل هذه القتامة.

أبيات شعرية:

يا نورًا يُضيءُ ليلي الحالِك
يا زهرةً تنمو في بستانِ ماضٍ قاسٍ

علمتني وضحى أن الشجاعة ليست فقط في مواجهة المخاوف، بل في القبول بالنفس والاعتراف بالمشاعر. كنت أُخفي ضعفي وكأنني أضعه تحت غلافٍ من الصمت، لكنها كانت قادرة على الوصول إلى أعماق قلبي، وكأنها تمسك بيدها كل أجزاء روحي المشتتة، وتعيد تركيبها بطريقةٍ جديدة.

غدوتُ شخصًا أكثر وضوحًا وثقةً، حيث لم أعد أخشى التعبير عن مشاعري. وكأنّ وضحى كانت ريشةً ترسم لوحاتٍ جديدةً في حياتي، فتحولت من ظلالٍ ضائعة إلى كائنٍ يمتلك الضوء. لقد أثرّت فيّ بشكلٍ عميق، وكأنها نحتت في روحي تمثالًا من الأمل، يتلألأ كلما جاء المساء.

أبيات شعرية:

يا من شققتِ ظلامي بنورِك
يا من سطعتِ في عمق روحي ككوكبٍ منير

وبينما كنت أسير في دروب الحياة، صرت أرى النمر العدوان ووضحى كوجهين لعملةٍ واحدة، حيث يجتمع الخوف مع الأمل، والشجاعة مع الحب. كلما تذكرت تلك اللحظات التي عشتها معهما، شعرت بأنني أصبحت أكثر نضجًا وقوةً، مدفوعًا بالحب والشغف، مستعدًا لمواجهة كل ما يأتي من تحديات.

أبيات شعرية:

يا قمرًا يشعّ في ليالي العناء
يا سرًّا يُخفي بين طياته البقاء

عشتُ بين كفيك كفراشةٍ في الرماد
أحيا وأموتُ بين جح