أربعة أعوام و تسعة أشهر و سبعة عشر يومًا كان عمري عندما بدأت الحرب في سوريا ، خمسة أعوام كان عمري عندما سُلب أبي من حياتي و تطورت قصة بطولة أمي ، نعم .. لقد كانت بطلة منذ النفس الأول الذي قامت بأخذه في هذا العالم ، هي فقط في تطورٍ مستمرٍ .
كنت في السابعة من عمري عندما خرجنا قسرًا من سوريا نتيجة للحرب التي شهدتها بلدنا في الشهرِ الثالثِ من العامِ الحادي عشر بعد الألفين ، و البطلة هنا هي من قامت بتربيتنا و تنشأتنا أنا و أختي التي تكبرني بأربعةِ أعوامٍ و أخواني اللذان يكبراني بسبعةِ و تسعةِ أعوامٍ ، رغم الظروف الصعبة من هجرة إلى حالة مادية إلى تربية أربعة أطفال ذوي مراحل عمرية مختلفة يصعب التعامل معها .
بعد مرور عامٍ قمنا باستئجارِ منزلٍ صغيرٍ يتكون من غرفةٍ واحدةٍ فقط بالإضافة إلى مطبخٍ صغيرٍ جدًا يحتوي على حمامٍ إلى جانبه يفصل بينهم ستارة ، كانت أمي هي من أصرت على العيشِ به على الرغم من تقديم عائلتها طلبات لها بالعيش معهم ، لكنها أرادت أن تكون امرأة قوية مستقلة تربي أطفالها و تحثهم على العمل و الدراسة لتوفير ظروف حياة أفضل بفضلٍ من الله ، عليّ ذكر تضحية أخواني الأكبر بدراستهم من أجلِ العملِ و توفيرِ حياةٍ طيبةٍ .
و مع تمرد المراهقة كانت المعاناة النفسية الأكبر لها ، فكلما تخلص أحدنا من ذلك التمرد و أصبح " أعقل " ؛ تقدم الآخر ليبدأ دوره ، و بالطبع لا يمكن تجاهل أمر متطلبات كل شخص بيننا إما الأساسية أو الثانوية ، و المشاكل المالية التي عانينا منها ، و مع ذلك حرمت نفسها حتى من احتياجاتِها الأساسية لتوفر لنا ما نحن بحاجته و ما تشتهيه أنفسنا .
مرت سنوات و بفضلٍ من الله تعالى ثم بتعب أخواني و ذكاء والدتي المالي ؛ قمنا باستئجارِ منزل أكبر و أوسع ، و ازدادت عائلتنا فردين بعد أن تزوج أخي و أنجبا طفلًا لطيفًا هو الأكثر حظًا بحصوله على أمي جدةً له .
بعد أن وصلت أختي لمرحلة الدراسات العليا و هي تعلم أن بدون منحة دراسية لن تستطيع أن تخطو خطوةً واحدة داخل الجامعة ، لكن أمي كانت قد وفرت المال و قامت بتسجيل أختي بكلية اختارتها أختي و التخصص الذي تحبه ، و عندما رأت فرحة أختي و ابتسامتها التي ارتسمت على شفتيها ، قالت لها جملتها الشهيرة : " مستعدة روح و اشتغل أي شي بس بسبيل دراستكن يا ماما " .
هي أم و أب و عائلة كاملة بالنسبة لنا ، بالإضافة لكونها صديقة و موجِهة و مرشِدة و نقطة ضعفي دائمًا و أبدًا ، و البطلة الوحيدة لي و فخري الأول و قدوتي الثانية ، و المحفز و الحافز الأول و الأهم بالنسبة لي لأكمل تعليمي و أعمل بجد و تعب لأعوضها - بتوفيقٍ من الله - عن كل شيء سيء عاشته طيلة الأربعة و الأربعين سنة الذين مروا من عمرها .