كلٌّ منّا يَملِكُ بطلاً في حياته، لَيس بأعماله البطولية، بل بتاثيره على حياته وصقل شخصيته التي هو عليها الآن، اليوم سوف أتحدّث عن بطلي صاحب القلب الطّيب جدي الغالي، فقد كان جدي حنونًا، أزهرَ، وضيءَ الوجه، سبحان من جعله مهوى القلوب، يَبحث الناس عن مجلسه؛ فهو حلو الحديث، صادق اللهجة، حَسَن المعشر، سَمح الخلائق، تجمَّع فيه ما تفرَّق في غيره من حَسَن الصّفات وجميل المكرمات.
فقد كان جدي من أكثر الأشخاص فرحًا عند ولادتي، ففي صغري كان يهتم بي دائمًا ويجلسني في حضنه فيلاعب شعري ويغني لي، وكنت أفضِّلُ دائما النّوم بجانبه لكي يروي لي أجمل الحكايات عن طفولته ومغامراته التي كان يعيشها في قريته البسيطة البعيدة عن ضوضاء المدن فيأخذني برحلة إلى عالم الخيال، وتُغمِضُ عيناي وأنا استمع إلى ذلك الصّوت الحنون الذي لم يفارقني أبدًا، وكان يقول لجدتي أن تطهو لنا الأطعمة التي نحبها لكي يفاجئني أنا وإخوتي عند عودتنا من المدرسة ليرَى الإبتسامة على وجوهنا، وعندما كان يوصلني إلى مدرستي كان يقول لي دائما بلهجته الفلسطينية العفوية "إن شاء بعيش ياسيدي وبشوفك من الناجحين وتساعدي الناس وتحققي كل الي نفسك فيه" لم أكن افهم ماكان يقصد حينها لأنني لم أتوقع يوما أن أفقد هذا الإنسان الذي علّمني كيف يكون القلب قلباً وكيف يكون الإنسان إنساناً وكيف يكون الحب حباً.
ولكن هذه هي الدّنيا ليست كما نشتهي، فقد مرض جدي مرضًا جعله يتعب شيئا فشيئا، لم أكن أتخيل أنَّ هذا المرض يمكن أن يُضعف جدي صاحب الجسد المتين الذي لم يشعرنا أنَّه قد تعب يوما..
لم أكن أدرك جدية الوضع، حتى أتى ذلك اليوم الذي أضطر فيه جدي الذّهاب إلى المشفى ولم أكن أعلم أنَّه لن يعود تلك المرة إلى المنزل مجددًا، فقد حارب جدي مرضه بكل ما أوتيَ من قوة وكان يبتسم دائما على الرّغم من الآلام التي كان يشعر بها، وعندما كنّا نزوره للتخفيف عنه كان يمسك بيدنا دائما لكي يستمد منا القوة، ولكنَّه ذهب قبل أن يعلم اننا نحن من كنا نأخذ القوة منه..
فقد أخذ الله أمانته بعد سبع شهور من المرض والمعاناة، فقد كان أملي دائما أنّه سيعود إلى البيت ونعود كما كنّا نصنع ذكرايات جديدة معًا، ولكن بعد أن مات جدي أدركت أنَّ الجميع حزين ومتأثر على فقدانه فلم يبقَ جار ولا صديق ولا أحد من المعارف والأقرباء إلّا وأن ذكر جدي بموقف لن ينساه له طيلة عمره، فهذا هو جدي صاحب بصمة وأثر في قلوب النّاس، فهو الذي يحمل فضة في شعره وذهب في قلبه ولن تستطيع كلماتي ان تصف مدى فخري به..
وها أنا ذا اليوم أحاول قدر استطاعتي أن أمضي مثلما مضى جدي، أن أكون صاحبة مبدأ وأثر في قلوب الناس، مخلصة في مشاعري، صادقة في قولي وفيّة لمن حولي..
وستبقى ذكرى جدي وابتسامته الحنونة راسخة بذاكرتي لتخفف عليَّ ثقل الأيام، وتذكرني أن أحافظ على الأمل، وأنظر للغد فعسى أن يكون أجمل..