لجنة التحكيمالصفوف 10 - 12
لجنة التحكيم تقيّم المشاركات
156 أعمال
الأردن|الصفوف 10 - 12
بطلي:صانع الأجنحة التي يحلّق بها أحلام طلابه
رضا عامر البدور
تأليف رضا عامر البدور
بطلي:صانع الأجنحة التي يحلّق بها أحلام طلابه

في زاوية من المدرسة، يقف بطل المقالة الذي لا يكتفي بتعليمي وحسب، بل يسعى لأن يكون قدوة لي ولغيري من الطلاب، من خلال أخلاقه وأفعاله. بحديثه الهادئ، وبين ثنايا كلماته، أجد ذلك الشعور الطيّب بحب التعلم والمعرفة.
هو ليس مجرد معلم، بل صانع الأجنحة. هو ليس مجرد معلم، بل هو المنارة التي تضيء دربي. هو ليس مجرد معلم، بل هو القدوة التي أقتدي بها. بذلك الصوت الذي يهدئ النفس، وبكلماته التي ينتقيها بحذر، وأسلوبه في التعامل مع الطلاب، قد أحبوه، وفي مقدمتهم أنا.
يقف الطبيب والمهندس، الطيار والضابط احترامًا لهذه الشخصية العظيمة التي ضحت لأجلهم، قام بصنع أجنحتهم التي حلقوا بها إلى أحلامهم.
بطلي هو الأستاذ معتز، أستاذ لمادة التربية الإسلامية، ولكنه ليس مجرد معلم عادي، إنه معلمي، بطلي، وقدوتي، والشخص الذي قادني وأوصلني إلى ما أنا عليه الآن، لولاه لما أصبحت متميزًا، لقد منحني القوة، الأخلاق، وأيضًا الإيمان.
إني أراه كالنور المشع في مُحيّاي. لقد كان محطمًا جدًا، لكنه استطاع أن يدخل السرور الى قلبي.
عند ولادته، كان والداه فرحين جدًا؛ لأن تاريخ ولادته مميز لدى عائلته
8-5-1997 هذا التاريخ يعني لعائلته الكثير.
كان في طفولته شغوف، يحب التعلم والاكتشاف، فضولي لأبعد الحدود. عندما كَبُر وأتت مرحلة المراهقة، كان يحب أن يُسلط الضوء عليه، كان يحاول أن يَبرُز في المجتمع على أنه رجل، ويجب على الآخرين احترامه. لذا بدأ إحدى أكثر المشاكل التي تواجه الشباب في مرحلة المراهقة، ألا وهي التدخين. بدء التدخين منذ تلك الأيام التي كان ينظر فيها للحياة بأنها لهو ولعب، صحيح أنه كان ما يرتكب الكثير من الأخطاء، لكن صلاته ودينه كانا كالخط الأحمر لديه. منذ نعومة أظافره، قد علماه والداه الصلاة وحببوه بها، لذا كان حريصًا عليها.
واجه بطلي معنى المسؤولية عند فترة الثانوية العامة، كانت المشاكل لديه كثيرة ومعقدة، إحداها أنه لا يطيق المدرسة ولا الدراسة.
كانت فتره الثانوية صعبة لديه. في نهاية الفصل الدراسي الأول، وبينما تقدم للاختبار، كان قد أخفق في مادة الرياضيات وقد اضُطر لإعادة الاختبار، في الفصل الدراسي الثاني كان قد نجح في الرياضيات، لكنه أخفق في مادة اللغة الإنجليزية.
كان يدرس بجد لكي يُفرح والديه، كان مرهقاً، متعباً، وكان وضع عائلته المادي ليس بجيد، كان يدرس ليحقق حلمه، أستاذ تربية إسلامية.
بعد إنهائه لفترة العناء التي واجهها، كان قد بدأ في البحث عن عمل، أي عمل من الممكن أن يعود عليه بالفائدة المادية، لأنه كان يحب أن يعتمد على نفسه وعلى عرق جبينه في تحقيق مصدر دخله. كان قد عمل في البناء، الزراعة، وحتى أعمال الدهان. عندما علم والديه بخبر نتيجته في اختبارات الثانوية العامة فَرِحوا. صحيح أن نجاحه أتى متأخرًا، لكن فرحتهم كانت كاملة، لأن الطريق الذي رسمه لنفسه كان قد أتى، حلم المعلم لم يخفق.
بعد توظفه، استلم أول صف دراسي له في منطقه بعيدة عن منزله. لم يكن يملك سيارة، إذ كان يذهب مشيًا على قدميه. كان يستيقظ في السادسة صباحًا لكي يستطيع الوصول في الوقت المناسب،وكان دائمًا ما يصل متأخرًا الى المدرسة، ويبقى فيها إلى الساعة الثانية ظهرًا، ثم يعود أدراجه مشياً. كان وضعه المادي سيء جدًا لدرجه لم يستطع توفير مال لنقله بالمواصلات. عندما كان يروي لي هذه القصة كنتُ أرى في عينيه التعب، التعب الذي كان يعاني منه في الذهاب سيرًا والألم الذي كان يسري في قدميه.
بعد أربعة أعوام من المعاناة الطويلة في هذه المسيرة، كان قد سمع بخبر نقله الى مدرسة قريبة جدًا إلى منزله، كان فرحًا لدرجة أنه لم ينم طوال الليل.
بطلي قام بإنجازات عديدة، منها أنه قد فتح متجره الخاص، متجر لبيع الحلويات. كان صغيرًا وبسيطًا، لكنه استمر رغم المشاكل.
كان كثيرًا ما يخسر من المتجر ويضُطر الى أن يقترض مبالغ مادية من أشخاص لكي يسدَّ خسارته، لكنه كان يؤمن، بقبله الطهور، أنه سينجح.
والآن الحمد لله، متجره كبير ويكسب العديد من الزبائن المتلهفين لتذوق طعم حلوياته المليئة بالشغف والحب.
من إنجازاته أيضًا أنه قد كون علاقات قوية بينه وبين طلابه. كان يعاملهم بأنهم رفاقه أكثر من طلابه، يمازحهم ويضحك معهم، وكان دائمًا ما يسأل عن أحوالهم. دائمًا ما كان يرسل لي الرسائل حتى وهو مشغول، يطمئن على دراستي وصحتي.
من صفات بطلي أنه موهوب، يتعلم الأمور بالتدريب وبسرعة، لديه القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة في وقت قصير، ذكي جدًا لأبعد الحدود ويتلاعب بالكلمات ليجعلك تحبه، لديه أيضًا القدرة على الإقناع بشكل لا يصدق، أُسلوبه مرح بعيد كل البعد عن الكآبة والتشاؤم. دائمًا ما كان ينظر لأبشع الأمور أنها لوحة فنية، لولاها لما صُنعت هذه اللوحة بتفاصيلها تلك.
السبب الذي دفعني لاختيار معتز بطلي هو أنه أرى فيه ذلك الشخص الذي يريد لي الخير عِوضًا عن نفسه، يريد لأخيه الصغير أن يكون أفضل منه، يريد مني أن أكون قويًا كفاية لمواجهة تحديات أصعب من التي واجهها. هو بطلي لأنه أيقظني من سباتي، من أفكاري التي كانت ستؤدي بي في نهاية المطاف إلى الهاوية، أيقظني من أحلام اليقظة التي كانت بلا فائدة لي وقد كنت أراها كالنجوم، عرفني على طرق مستقبلي المظلمة التي كنت أراها تشع نورًا، أيقظني من غفوتي أثناء قيادتي لمركبة حياتي. نعم، هذا الشخص الذي ضحى وما زال يضحي بكل ما لديه من قوة وطاقة لأجلي، لأجل أن يراني متفوقًا، ناجحًا، ومبدعًا.
إني أرى أنه أثّر كذلك بكل طلابه، من المؤكد ذلك. أشعر أن اقتدائي به سيجعلني أكون مثله، صانع للإلهام، ومحب للحياة بكل تفاصيل لوحتها، من الخير والشر، النور والظلام، إني أطمح أن أكون مثله، ملهم لجميع الناس.