تعرف دولتنا الحبيبة المملكة الأردنية الهاشمية ببطولاتِها ومعاركِها التي لا تعد ولا تحصى. يوجد الكثيرُ من الابطال والشهداء الذين كرسوا حياتهم وارواحهم فداء لهذا الوطن والذين لم يهتموا ب ارواحهم قدر ما كانوا يهتموا بحماية وقيام وطنهم. لكن نريد ان نعود بالزمن قليلاً، في حكم الملكِ عبدالله الاول رحمه الله، فيوجد شخصيات لقد اشرفت على قيام المملكة الأردنية ومن اهم هذا الشخصيات والتي كانت بارزه وما زالت بارزه في عقولنا وقلوبنا التي كانت عامل اساسي ورئيسي في قيام المملكه الاردنية الهاشمية ألا وهي:( حابس رفيفان المجالي)،
فهو شخصيةٌ كركيةُ الاصلِ . نبتدئ بسنة الهية تلك الثورة التي أججها رجال الكرك والمحيطون بها ، حاملين مئات بل آلاف من صفحات التاريخ العريق، الهية أو هية الكرك تعد فاصلة حاسمة في تاريخ نضال الشعب العربي، وعلامة أولى للتحول من حقبة معتمة إلى أخرى مسكونة بالأمل والهواجس معاً، هنا.. في هذه اللحظة التاريخية، والرجال الأحرار ينثرون أرواحهم فداء للأرض والكرامة رفعاً للظلم والظلام، فينثرونها دحنوناً مرتوياً كما يطلقون الرصاص من أفواه البنادق معدودة العد والعدة، هنا بالتحديد عندما سيرت الدولة العثمانية قطعانها المدججة بالمدافع والعسكر من أجل هدم البيوت وحصد الأرواح الأبية والعصية على الرضوخ، ومن اجل ملئ القلعة بالمعتقلين والسجناء، وهي التي بنيت حضارة بعد حضارة لحفظ الأرض والأنفس والأعراض.
وسط كل ذلك، في خضم إرهاصاته. أنجبت بندر المجالي( الكركية) حابس المجالي ، ولدته في المعتقل وهي ترافق (مشخص) فكانتا أول معتقلتين سياسيتين في المنطقة، حرائر ثائرات وزوجات شيوخ، قادوا ثورة كانت بوابة كبرى عبرت منها حركات التحرر العربية حتى انطلاق ثورة العرب الكبرى ليطلق عليه والده الشيخ رفيفان محمد المجالي اسم حابس فلقد سجل التاريخ الاردني بطلا قبل مولده .
ولد حابس المجالي من رحم الثورة وعلى جبينه رايات المرحلة القادمة ، ففي تلك السنة 1910 م، أرّخ لمولد المشير حابس المجالي، وإن ذهب البعض إلى أن ولادته كانت سنة 1914 م، لكن العرب كانوا يؤرخون بالأحداث وهو من أبناء سنة الهيّة ، ولعل من آثار تلك المرحلة أن دفعت بحابس للالتحاق بالخدمة العسكرية في سن مبكرة، فهو مفطور على النضال والفروسية، حاملاً في ذاكرته وفكره صور تلك البطولات التي خطّها الآباء والأجداد في سجلات الفخار الأردني، فلم يكن عام 1932 م يؤرخ لدخول منتسب جديد لصفوف الجيش العربي الناشئ فقط، بل يؤكد على توجهات شاب توج حياته ووطنه بالبطولة والفداء، حيث أخذ الفتى الكركي يثبت نبوغه العسكري وإخلاصه الحقيقي من خلال تدرجه في الرتب والمناصب العسكرية التي كلما علت وزاد رقيها ثقلت مسؤولياتها وتعاظمت واجباتها.
يعد حابس المجالي أسطورة عسكرية تجلت صورها من خلال حروب جيش الإنقاذ في فلسطين عام 1948 م ، فلا زالت الوثائق الإسرائيلية والعربية تشهد على شجاعته وحنكته كلما حمي وطيس المعركة، فهو أسد معارك القدس في اللطرون وباب الواد .
ففي معركة اللطرون التي قاد خلالها حابس القوات الأردنية المكونة من (1200) جندي في مواجهة شرسة مع عدد جيد التسليح يصل تعداده إلى (6500) جندي، وتمكن هذا القائد الشاب أن يدفع بالقوات الأردنية للتفوق وتحقيق نصر عز نظيره في تلك الحروب، منادياً نشامى الجيش العربي بعبارته الشهيرة ( الموت ولا الدنية) فلحق بالقوات الإسرائيلية هزيمة النكراء، وقد قدرت بعض الجهات اليهودية خسائرها بألفي قتيل، وأسر عدد كبير من الإسرائيليين من بينهم رئيس وزراء إسرائيل السابق (ارئيل شارون) ونقل إلى معسكر الأسرى في مدينة المفرق، وقد كانت هذه المعركة خطوة كبيرة في تحرير القدس، ليكون النقيب حابس المجالي يومها قد كسر توقعات العدو، ورفع معنويات الجيوش العربية التي عانت من إخفاقات متلاحقة. معركه اللطرون هي معركه قامت في ليلة 8 / 9 حزيران 1948، حينما زحفوا قوات العدو تحت ستر الظلام، وتمكنت بعد قتال عنيف من الوصول إلى تلة معاذ بن جبل، وعلى مسافة 70 ياردة عن مركز قيادة الكتيبة الرابعة في مرتفعات اللطرون. فأمر قائد الكتيبة حابس المجالي بتجميع آخر قوة متوفرة لديه، للقيام بهجوم معاكس على العدو، وطرده من الموقع الحيوي، الذي لو وصل إليه العدو، لأصبح الدفاع عن موقع الكتيبة مستحيلا. فتطلّب الموقف طرد العدو من الموقع ومنعه من احتلاله تجنبا للهزيمة.وفي ذلك الموقف العصيب . . وعلى مسافة قريبة من المقدم حابس، كان يقف طبيب الكتيبة يعقوب أبو غوش، فسأله حابس : كم رصاصة في مسدسك ؟ أجاب الطبيب 6 رصاصات، فقال حابس : في مسدسي أيضا 6 رصاصات، وصمتْ لحظة . . ثم قال : سنبقى هنا . . وإذا وصل جنود العدو إلينا . . سيطلق كل واحد منا 5 رصاصات عليهم . . أما السادسة فسنطلقها على أنفسنا . . !ف في معركه اللطرون فُرضت اتفاقية الهدنة الأولى بين العرب واليهود، ليسري مفعولها ابتداء من تاريخ 11 حزيران 1948 ولكن حابس لم يقتنع بها، فطلب من رئيس الأركان الجنرال كلوب رفضها، بهذه الأبيات الشعرية البليغة :
ما اريد أنـا هدـنة يا كلوب * * خلّي البواريد رجــاّدة
بيــوم قيضٍ بـحرّ الشـوب * * والنار بالجــو وقّـادة
خلـهم يحسبوا لنا محسوب * * إنّـا على المـوت ورّادة
صهيون اترك لنا المغصوب * * وابعد عن القدس وبلاده
النــصــــر لنـــا مــكـــــتوب * * والخوف ما هو لنا عادة
ففي القدس فلقد أسر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي إرئيل شارون وتمكنت القوات الباسله من تحرير مدينة القدس وتحقيق النصر. أما معركة باب الواد فهي درس بالغ القسوة لقنه اسود الجيش العربي الأردني لليهود بقيادة حابس المجالي، وقد وقعت هذه المعركة بعد اقل من أسبوع على معركة اللطرون ، وتجلت في هذه المعركة أروع صور البسالة والفداء ، وانقضّ نشامى الجيش على خطوط اليهود مقدمين أرواحهم فداء للقدس والأرضظ المباركة، ففتكوا بهم والحقوا بهم شر هزيمة. فلقد قتل منهم المئات وجرح أكثر من ألف جندي وعدد من الأسرى، في حين استشهد من الجيش العربي الأردني عشرون جنديا، وبذلك تمكنت القوات الأردنية من تحرير مدينة القدس من يد القوات الإسرائيلية من خلال رائعة عسكرية، وملحمة تاريخية قدم فيها حابس المجالي نفسه كقائد عظيم قادر على التعامل مع أقسى الظروف وفي ظل ضعف الإمكانيات للقوات العربية ، وسجل الجيش الأردني واحدة من انصع الصفحات في التاريخ العربي الحديث، فقد قال مؤسس الكيان الإسرائيلي ديفيد بنغوريون عام 1949 م أمام الكنيست "لقد خسرنا في معركة باب الواد وحدها أمام الجيش الأردني ضعفي قتلانا في الحرب كاملة".وردد شباب القدس في معركة باب الواد بعد سقوط الكثير من الضحايا في صفوفالصهاينة "حابس حابسهم بالوادي **حابس وجنوده وتادي " فقد تولى حابس المجالي مناصب عدة ، فقد التحق بالجيش العربي، وعين في منصب كبير مرافقي المغفور له عبدالله الأول بن الحسين خلال الفترة 1/9/1932-16/4/1949، وعُهد إليه بتشكيل الكتيبة الرابعة التي اشتُهرت ببسالتها في معارك باب الواد، ثم شغل منصب قائد اللواء الأول بالوكالة خلال الفترة 25/9/1949-1/11/1949، ثم أصبح مساعد رئيس الأركان لشؤون الإدارة بدءاً من 1 تشرين الأول 1951، ثم عُين قائداً لمنطقة معان بتاريخ 1 تشرين الثاني 1951، ثم قائداً لمنطقة نابلس ثم الخليل، ثم قائداً للعاصمة، ثم مساعداً لرئيس الأركان لشؤون الإدارة ثانيةً، ثم رئيساً للأركان بالوكالة. وفي 5 أيار 1957 تسلّم مهام رئيس الأركان، ثم أصبح قائداً عاماً للقوات المسلحة الأردنية في 9 آب 1958. وفي 5 أيار 1965 أُسند إليه منصب القائد العام للقوات المسلحة الأردنية. ثم عُين عضواً بالهيئة الاستشارية في 1 آب 1967، ثم عُين وزيراً للدفاع (8/10/1967-25/4/1968)، ثم عُين عضواً في مجلس الأعيان بدءاً من 1 تشرين الثاني 1967، ثم عُين في منصب كبير الأمناء للمغفور له جلالة الملك الحسين (30/6/1969-16/9/1970)، ثم تولّى قيادة القوات المسلحة الأردنية بتاريخ 16 أيلول 1970، ثم عُيّن وزيراً للبلاط بدءاً من 11 كانون الثاني 1976، ثم عضواً في مجلس الأعيان أربع مراتٍ؛ في 12 كانون الثاني 1984، و23 تشرين الثاني 1989، و23 تشرين الثاني 1993، و23 تشرين الثاني 1997.
مُنح العديد من الأوسمة والشارات الأردنية من أبرزها:وسام النهضة الأردني المرصَّع، ووسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى، ووسام الخدمة العامة بفلسطين، ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى.
كما منح العديد من الأوسمة والشارات من دول عربية وأجنبية، منها: وسام الرافدين العراقي، ووسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى، ووسام الأرز الوطني اللبناني، ووسام الهمايوني الإيراني من الدرجة الأولى، ووسام المغرب العربي، ووسام فارس القبر المقدس/ الوشاح الأكبر.
عرف عنه بشغفه في دراسة الأدب العربي وسِيَر الشخصيات العسكرية والسياسية، ومطالعة كتب التاريخ العسكري، والفروسية فلقد ألّفَ الكثير من الشّعراءِ المشهورين ومنهم:حبيب زيودي وغيره .فلقد كان المشير حابس متقن في كتابة الشعر فكان يطلقه في كل مناسبة وفوز له فمن(( الكلمات التي كان يرددها المشير حابس المجالي )): خلقت للمعنويات وليس للماديات
وانا لا يهمني لا الكبيرْ ولا الصغيررْ الاردن الاردن و الكرك رجالها يحموها.
ففي عام 2001 لقد مر اسوئ تاريخ على الرجال والقادة الاردنيين .ف في هذا التاريخ البائس لقد توفي المشير حابس رفيفان المجالي عن عمر ناهز 90 سنة ،فإذ يغيب المشير المجالي فلن تغيب عن الأردنيين سيرته الحافلة بالبطولة والتضحية والفداء والرجولة والإيثار، وستبقى مناقبُ الفقيد علامةً بارزةً في تاريخِ الأردن والأمة، فرحمَ الله ترابه الطيب.