بطل الإرادة و التغيير
لِكل شَخْصٍ حِكايَةٌ، وَلِكُل حِكايَةٍ بَطَلٌ، ويَخْتَلِفُ أَبْطالُنا بِمُمَيزاتٍ وَمَهاراتٍ، كَما تَخْتَلِفُ القِصَصُ بِعَناوينِها، وَلكنَّ هَذِهِ العَناوينُ هِي ما تَجْذِبُ القُراءَ، وَقَد يُضَحي البَطَلُ بِكُل ما يَمْلِكُ لِيُصْبِحَ بَطَلاً يُذْكَرُ اسمه على كُل لِسانٍ، وَكَذلِكَ طَغَتْ القَضِيَةُ الفَلَسْطينيةُ عَنْ أَي قَضيَّةٍ بِوَقْفَتِها وَصُمودها أَمامَ هذا العِدْوانِ، فَسانَد وَقْفَتَها أَشْخاصٌ مِنْ حَميعِ أَنْحاءِ العالَمِ، وَمِنْهُمُ الأُرْدُنُّ.
وَأما عَني فَبَطَلي تَجْمَعُهُ عِدَّةُ عَناوين، فَمِنْها: الشَّجاعَةُ، والمَهارَةُ، والذَّكاءُ . واستَحَقَّ أنْ يُذْكَرَ اسْمُهٌ في مُخْتَلَفِ المَجالاتِ، فَقَد كانَ لَهُ دَوْرٌ بارِزٌ في الحِفاظِ على التُراثِ، و الكِتابَةِ، والإعلامِ، كَما أَبدَعَ في الأَدَبِ وَ الشّعْرِ.
وُلِدَ أَولُ شَهيدٍ أُرْدُنِيٍ عَلى أَرضِ فِلَسْطين في مَدينَةِ كَفُرسُوم عَام 1869، وَكانَ يُدعى كايد مُفلح العبيدات، اعتبر والده مؤسس عشيرة العبيدات، وَكانَ عُضوًا في وِلايةِ دِمَشق. تَلَقى كايد مُفلح العبيدات تَعلمَيهُ في الكتاتيب، وَظَهَرَت عَليْهِ علاماتُ النَّبُوغِ مُنذُ سَنواتِهِ الأولى مِنْ عُمْرِهِ.
كانَ لَدى كايد ما يقارِبُ العَشْرَ سَنواتٍ مِنَ العُمُرِ عِندَما حَفِظَ القُرآن، وَقَد تَلقى مُعامُلَةً خاصَّةً مِنْ والِدِهِ و إخوَتِهِ الكِبارِ بِسَبَبِ صِفاتِهِ القِيادِيَّةِ وَدَوْرِهِ الاجْتِماعي، وعلى الرُّغمِ مِنْ أَنَّهُ كانَ الأوسط في تَرتيب إِخوته، فإنه وَرِثَ زَعامة عَشيرة العبيدات عَن والده، بل تَحولَ مَع الوقتِ لِزعيمِ مَناطق الكَفارَات شَمالِ الأردُن، كما كانَ عُضوًا في مَجلَسِ القَضاءِ بِوِلايَةِ دِمَشق.

قَد كَانَ كايد مُولَعًا بِالتاريخِ، وَالشَّخصياتِ التَّاريخيَّةِ التّي تَوَسَعَ في قِراءَةِ تاريخِها وَ سيرَتِها، كَما كانَ يَحُضُ النَّاسَ على مَحو أُمّيَتِهِم وَتَعليمِ أَبنائِهم في الكتاتيب التّي كانت مُنْتَشِرَةً في ذَلِكَ الوَقتِ .
كانَ كايد مُفلح عبيدات عُروبي التَّوَجُّهِ، وَعُرِفَ عَنْهُ التَّدَيُّنُ، وكانَ على عَلاقَةٍ وَثيقَةٍ بِرِجال الحَرَكَةِ الوَطَنِيَّةِ التّي ظَهَرَتْ ضِدَّ الدَّولَةِ العُثمانِيَةِ بَعدَ تَوَلي حِزْب الاتحادِ والتَّرقي الحكمَ فيها، وكانَ لَدَيْهِ وَعيٌ كَبير بِشأنِ مُخَطَّطِ اليَهودِ لاحتِلالِ فِلسطِين وإِقامَة وِطِنٍ قَوميٍ لَهم هناكَ، فَناهَضَ استيطانَ اليَهودِ، وَ رَفَضَ وَعْدَ بلفور، الذّي تَضَمَنَ تَعَهُدَ الحكومَةِ البريطانيةِ بِإقامَةِ دولَة لليهودِ في فلسطين، و الذّي سُمّيَ أَيضًا بِالوَعدِ المشؤومِ.
وَمَعَ ذَلِكَ كله كانَ لَهُ اطلاعٌ سياسيٌ واسِعٌ، فكانَ مناوئا لسياسات حزبِ الاتحادِ والتَّرقي الذّي وَصَلَ لِحكمِ الدَّولَةِ العثمانيةِ عام 1908، وكانَ على عَلاقةٍ وثيقَةٍ بالجمعياتِ العربيةِ التّي ظَهَرَت في ذلك الوَقتِ، وَبرز دورهُ بِشكلٍ كَبيرٍ في اجتماعِ الشَّخصِياتِ الأردُنيَّةِ والعربيةِ الذّي عُقِدَ في عَجلون عام 1917 رَفضًا لِوَعدِ بلفور بِمَنحِ وَطَنٍ لليهودِ في فلسطين، ورَفض اتّفاقيَةِ سايكس بيكو، واختير مِن قِبَلِ المُجتَمِعينَ لِمراسَلَةِ شُيوخِ العَشائِرِ وَالشَّخصِياتِ العربيةِ في كُلِ مَكانٍ لِحشدِ الجُهودِ لِرَفضِ المُخططاتِ الصَّهيونية ضِدَّ فلسطين وَلَم يَكتَفِ بِذلِكَ، حيثُ قادَ أَول هُجومٍ انطِلاقًا مِن الأردن في مَنطِقَةِ تَلِ الثَّعلَبِ، لِيَستَشهِدَ مَعَ عَدَدٍ مِنَ المُهاجِمينَ أَمامَ عَدَمِ تَكافُؤ المَعرًكَةِ، بين مُهاجِمين بالسلاحِ والبارودِ وبين عِصاباتٍ صَهيونيَّة مَدعومَةٍ بالقواتِ البريطانية واجهَتهُم بالرَّشاشاتِ والسّلاحِ المُتَوسِطِ.
تُجَسدُ مَسيرةَ كايد مُفلح العبيدات نَموذَجًا حَيًا لِلقَائِدِ الذّي يَسعى لِتَحقيقِ التَّغييرِ مِن خِلالِ الالتِزامِ بالقِيَمِ الوَطنيَّةِ والديمقراطيةِ، وَنَجَحَ في تَحقيقِ إِنجازاتٍ عَديدَةٍ، سَواء على الصَّعيدِ العَسكَري أَو في مَجالِ الخِدمَةِ العامَّةِ. إِنَّ إرثَهُ سَيَظَلُّ مَصدَرَ إلهامٍ للأَجيالِ القادِمِةِ، حيثُ يُظهِرُ أَنَّ الإَخلاص للوَطن وَالعَمل مِن أَجل مَصالِحِ الشَّعبِ هُما السَّبيل لِبناءِ مُستَقبَلٍ أَفضَل. سَتَظَل تَجارِبُه ُوَدُروسُ حَياتِهِ نَموذَجًا يُحتَذى بِهِ في العَمَلِ الوَطَني والمُشارَكة الفعّالة في قَضايا المُجتَمَع.
المراجع: الجزيرة نت، مركز التوثيق الملكي الاردني، ويكيبيديا، chat G P T