لجنة التحكيمالجامعات
لجنة التحكيم تقيّم الأعمال
89 أعمال
الأردن|الجامعات
بيمينك كفكفت الدموع
Areej Daja
تأليف Areej Daja
بيمينك كفكفت الدموع

بيمينك كفكَفْت الدموع
- في يوم أسود مُقنَّع بالورد للكثير، مع غروب شمس كان على إثره غروبُ ابتساماتٍ كثيرة، ذلك اليوم الذي اختاره زاهر ليكون يوم راحتِهِ ، الإجازة التي رغبها جسده وروحه التي تخلت عنها وتشبثت بواجبها الإنسانيّ والوطنيّ، بينما هو يقود سيارته على طريق البحر الميت باتّجاه بيته الدّافيء، وصورة الأحباب تملأ كيانه وخياله وكيف سيقضي إجازته قصَّ حبلَ خيالِهِ حَشَدُ الأمن في المنطقة، تملَّكَه فضولُه فغَيّر وجهتَهُ تسَاءَلَ وسأل فصَفَعَتْه الإجابة، لم يخطر بباله سوى ملابسِ الغَطس التي لطالما كانتْ مُلازمةً لهُ إِلَّا في ذلك اليوم بحثَ عنها بيدِ ضميره الذي هاج به، وحين وجدها وجدَ كنزًا، ارتداها مُسرعًا وأقبل على قدرٍ قد كُتِب. ولمّا سكن الأمرُ في سمعِ وبصرِ زاهر شدَّهُ وفاؤه لوظيفتِهِ، وأَخذ يشرئب اليها ولم يلبث الا وأن هيَّأَ نفسَهُ لتأدية واجبه.
وجَّهَ نظرَهُ إلى المنطقة التي حطّ السّيلُ في وادِها وأيقظَ بحرًا أغرقَهُ السُّباتُ، فتلاطمَتْ أمواجه وتخبَّطَتْ غضبًا وسرقت أرواحًا في عُمر الزهور، الذين ساروا بسيقانِهم الهشّةِ التي لا حول ولا قوّةَ في مُغامرةٍ تَاهَتْ عن روّادِها. بعد أن قُسِّموا إلى مجموعتين ليتقمّصوا شخصيّاتِ مُستكشفين أو باحثين عن شيءٍ ليفغَرَ كُلُّ مَنْ فِيهِم فَاهُ بعدَ أَنْ رأوْا فاهَ البحر قدْ فغَرَ، فيتحوّلوا من باحثين عن شيءٍ إلى باحثين عن نجاةٍ، وبدأت سهامُ الأجلِ تترصَّد وشظايا الموتِ تُصيب أكثر فأكثر.
وشاء القدر أن يخوضَ معركةً بينه وبين الأمواج، وبرغم معرفتِهِ العميقة بمدى عتوّ عَدوّة تلك اللحظات، وَجْهلِه بمصيره الذي كان للمنيّة أقرب، وعائلته المُنتظِرة ذلك اليوم بشغفٍ لقضاء أجمل اللحظاتِ معَهُ، إلا أنه رمى بكل هذا عرض الحائط وجذبَهُ تفانيه المُخلِص، ففي ذلك الوقت لم تكن أصواتُ النّجدة، والصّراخ، والبكاء، تسمح لعقلِه أَنْ
يَشِذّ.
غطسَ بهَول المنظر وَوَحْل المشهد قبل أن يغطِسَ في الماء، أنقذ ملائكةً كان هو حيلتَهم الوحيدة، نُقِش على يديهِ صرف الدهر، ربما خُيِّل إليهِ أنَّ أحدهم ولده الذي لم يُرزقُ بهِ، فهؤلاء هم أولاد موقفه الشجاع

"ساعِدني عَمْو"، جرعةٌ زادت على جُرأتِهِ قوةً منحه إيَّاها طفلٌ اسمُهُ عُمر ، انتشلَهُ مِنْ شِباك الموتِ ليَرسو بهِ في مكانٍ آمن - رُغمَ أَنَّ الأمانَ كان معدومًا - حين وصلا إلى شاطئ النّجاةِ، سألهُ الطّفل عُمر بامتنان مع رعشةٍ تخلَّلتْ جسده مَنْ أَنتَ؟ أَجَابَهُ : أنا الغطّاسُ زاهر العجالين فباشر سؤالَهُ: ما الذي جرى ؟ كنا أنا وصديقي نُمتِّع أعينَنا بالبحر وأرجائِه ، لَمْ نُفِقْ مِنْ جَمال المنظر إلا وإحساسنا باهتزازٍ لمْ يُمهلنا لحظةً كي نعيَ ما حصل عادَ إلى مهمّتِهِ التِي لَمْ تَكُنْ يومًا في الحسبان، وقعت عينه على كهلٍ لبّى لمُساعدةٍ قبل أن تُطلب فداهمَهُ بعضُ التّعب، أرادَ أنْ يُريحَ بدنَهُ حَتَّى لمحَ فتياتٍ ثلاث يتأرجَحْنَ ما بينَ النّجاةِ والغَرقِ، حتّى أوقف زاهر هذهِ الأرجوحةَ حين هَمَّ وهبَّ لإنقاذهنّ. فأخذ يصَعد ويهبِط حتى وصلَ إلى ذلك السّلالِ إنْ كانَ الموتُ يُحوم حوله كالغربان، وإنسانيّتهُ تُرفرف فوقه. ولو لم تكن الأعينُ مليئة بالدموع لرأت لحظتَها صقرًا كما هو زاهر، وحمامةً هي الإنسانية.
شهد ماء أعينهم أظفار الذِّئب، غُرسِنَ بأرواحِ كُتِب لها أن تُحلّق إلى عنانِ السّماءِ راحلةً عِنْ هذا الكون، فزادت شهوةَ البحر فجعلته يتجوّل بأمواجه، مُفتشًا عَنْ زَاهِر البحر الذي ود البحرُ أنَّ يلتهمه هو أيضًا، الشاب الأسمر، ذي البنية القويّة، طويلِ القامة ابنِ الأردن قبل أن يكونَ ابنَ والديْه، وإنسانيّته التي ارتداها وارتدته غمرَتْه وغمَرَها ، ولَمْ يَكُنْ هناك مكان لفكرة الإنسحاب، أيُّ انسحاب هذا وضميرُه ضجّ به؟ يرى النّجاةَ تغمز وتلمِز ، وبمشيئة القادرِ ومن بينِ زحام الهزيمة، أخيرًا لاحَ لَهُ النّصرُ فتبعَهُ وتشبّثَ بهِ، حتّى عانقهُ عِناقَ المُحبّين.
خرجَ بجسدٍ منتصر، بروحٍ عظيمةٍ، بقلبٍ آسف حزين، وراضٍ عن نفسه، خرجَ وبلدُهُ تفخر بتفانيه، خرج يرفع علمًا بألوانٍ من الإنسانية، والإخلاص، وحُسنِ الخُلقِ، وقوّةِ القَلب ونقائِهِ وترقيتِه بفعلِهِ الرّاقي، انتهى يومٌ كان بمثابةِ غيمةٍ سوداءَ هطلتْ عليهم دمعًا ورعدًا بصراخِهم، غيمةٌ وتلاشت للذين نجَواْ، وبصمة بالحُزنِ للذين رحلوا بإذنِ اللهِ إلى جناتِ النعيم.