لجنة التحكيمالجامعات
لجنة التحكيم تقيّم الأعمال
89 أعمال
الأردن|الجامعات
حورية بني دومي
Noor Owiedat
تأليف Noor Owiedat
حورية بني دومي

حورية بني دومي

حورية، هذه ليست قصة متفردة بحورية نفسها، بل هي قصة واسعة تتسع لمجتمع بأسره. حورية امرأة أكتبها، وأعتقد أن النقاط في سردها جناية كبرى، ولا مكان لاسمي في نهايتها، أضع السطور بعدي لتدون كل امرأة اسمها، قصتها التي لا تختلف كثيراً عن قصتها.

لم تكن حورية بطلة كالأبطال الذين يُروَون في القصص والحكايات، مختلفة في الصفات والهيئة، لا تشبه من حولها ولا تتوافق معهم. بل كانت بطلة ريفية من قلب الكورة، تشبه دحنونتها الحمراء، صبغت قمحية الأرض وجنتيها وتكحلت بعراقة البلدة. وعلى الرغم من أن حورية ليست كبيرة في السن، إلا أن نشأتها مع جدتها التي عملت على تربيتها نقلت إليها الكثير من علم الكبار وتراثهم والحكمة التي حملوها ونشأوا عليها. فأصبحت حورية شخصًا يجمع بين الماضي والحاضر، خليطًا بين المرأة اليوم بقوتها وعزمها وبين المرأة في الأمس بحنانها وعبقها الذي ينبت بين يديها. عاشت سيدةً مخضرمةً مليئةً بالحكمة رغم صغر سنها، كبرت وتزوجت وبنت أسرةً عامرةً وبيتًا دافئًا، وأصبحت أمًا لطفل وطفلة، لا ترى الحياة إلا من خلالهم، ومن عيونهم ترى الدنيا. وفي الأيام التي لا تنتظرنا لنكتبها ولا تقرأ ما كتبنا، وحدها تملك سطوة الصياغة ولا تبقينا إلا راويًا في حكاوينا، يأتي دورنا لنقلب الصفحة ونبدأ قصة جديدة. وفي تلك الظروف، انتهت قصة عنوانها الزواج وبدأت قصة أخرى تكتبها بعد لحظة الانفصال الفارقة، برفقة أطفالها لتجابه مجتمعًا يحاكم الانفصال كمصيبة كبرى.

أسوأ وأصعب جزء في الانفصال، خصوصًا في مجتمع محافظ، هو أن الأمر يبدو انفصالًا عن مجتمع بأسره، وكأنك لم تعد جزءًا من كيان هذا المجتمع. يتملكك الشعور بالغربة في مكانك وتقف أمام منعطفين: إما أن تقف لتفرض مكانك وتختار أن تتوحد مع وجدانك وأطفالك، أو أن تختار الاغتراب أكثر حتى تتسرب هذه الغربة إلى روحك وتتوه مع ذاتك الحرة وأطفالك الذين تحملهم بين كفيك وكتفيك.

حورية، امرأة صلبة، أو أنها اختارت ذلك، حملت على عاتقها أطفالها ومضت قدمًا لتعيلهم وتنشئهم كأطفال ناضجين مليئين بالفرح والسعادة. بدأت العمل كعاملة ثانوية مع مجموعة نقل، وبعد عام أصبحت مشرفة خط إنتاج في التصنيع الغذائي، وبعد عام آخر انتقلت لتكون خبيرة في مجال الجودة، وتترأس الجمعية. هذا تطور سريع في فترة قصيرة، فقد تحملت أعباءً عديدة بين قلبها وعاطفتها تجاه أطفالها، لتقوم بدور الأم والأب ولا تنقص عليهم شيئًا واحدًا.

وبين عملها الجاد وتطورها الوظيفي ومكانتها في المجتمع، تواجه نظرة المجتمع لها ولأطفالها، وتعمل على حمايتهم من غبار الكلمات وقسوة الأيام.

وفي ظل هذا كله، حلت علينا جائحة كورونا، التي كانت قاسية على الجميع، لكنها على حورية كانت مختلفة، حتى تظن أنها تفردت بها بجزء كامل والعالم كله جزء آخر. خرجت مجموعة نقل عن الجمعية، وفي هذه اللحظة وقفت حورية أمام مسؤولية الجمعية التي تملكها وأطفالها الذين تحمل مسؤوليتهم كاملة، وبين كل من تحدتهم حتى تصل إلى ما وصلت إليه.

وقفت حورية أمام خيارين من جديد، هذه المرأة التي لا تكف عن الوقوف أمام خيارات يتساءل كل واحد منها أيها أصعب، إما أن تترك الجمعية وتبحث عن عمل آخر، أو أن تحاول إكمال العمل بلا رأس مال أو مواد، وأن تعود للبداية من الصفر. وهذا تحدٍّ مجتمعي لإكمال العمل بلا راتب، لكنها اختارت أن تجتمع بالنساء العاملات معها في الجمعية وأخبرتهن بالظروف التي يمرون بها وبالخيارات المتاحة.

وهنا قررن الوقوف معًا في مكانهن، والعمل بكل ما هو متاح في تلك اللحظة، والعودة إلى بيوتهن لإقناع عائلاتهن بالعمل بلا راتب، والموازنة بين ذلك وبين أولادهن، والحفاظ عليهم، وتجاوز نظرة المجتمع. لأن هذه الجمعية لم تكن حكاية حورية وحدها، بل حكاية كل النساء اللواتي معها، اللواتي لا تختلف قصصهن عن قصتها كثيرًا. وبهذا تمكنت الجمعية من تخطي الأزمات التي واجهتها خلال جائحة كورونا، والإغلاقات وتغيير القوانين التي أثرت على التجارة ووسائل النقل والخوف من العدوى، وغيرها من التحديات غير العادية التي تواجهها أي جمعية في بدايات عملها. عملت حورية على التشبيك بين المؤسسات والوزارات واستمرت في العمل بجد في كل الظروف حتى تستكمل عملها وتعود الجمعية كما كانت.

وبذلك قدمت جمعية "الذوق الرفيع" الكثير من الخدمات، كالمطبخ الإنتاجي المتكامل، ومشروع زراعة النباتات التقليدية مثل الورقيات ونبتة الألوفيرا، بالإضافة إلى مشغل الصابون الذي ينتج منتجات طبيعية، كما تعمل الجمعية على الطباعة والتغليف، وتدريب السيدات على الإنتاج والتصنيع الغذائي، والريادة، والتمكين. وقد استطاعت التشبيك مع عدة جهات لتوفير بدل مواصلات وتشجيع السيدات على التدرب وبدء العمل ومشاريعهن الخاصة.

في عام 2021، تمكنت الجمعية من تدريب خمس وسبعين سيدة، وإلى اليوم وصل عددهن إلى 750 سيدة. استعادت الجمعية مكانتها وتجاوزت الصعوبات التي واجهتها. أما السيدة حورية، فقد أصبحت عضواً في المجلس الدولي لقارة آسيا والمحيط الهادئ للحركة النسائية التعاونية في الأردن، وتم اختيارها كمتحدثة في الأردن وعلى مستوى العالم كالشمعات المضيئة في اليابان. وفي عام 2024، تم تكريمها من جلالة الملك في اليوبيل الفضي عن العمل الريادي.

تركز جمعية "الذوق الرفيع" على دعم الحالات الأقل حظًا والسيدات اللواتي يعملن لإنشاء مشاريعهن الخاصة وإعالة عائلاتهن. وتُعزي حورية كل ما وصلت إليه اليوم إلى فريقها والعمل الجماعي والتكاتف الذي تقوم عليه الجمعية وحالة الوحدة التي عملوا بها.

ورغم النجاح الذي حققوه، إلا أنهم ما زالوا يواجهون بعض الصعوبات مثل الموقع الجغرافي والتسويق والحاجة إلى رأس مال أكبر لتعزيز المبيعات. وُلدت الجمعية منذ ثلاث سنوات واسمها أكبر من الجمعية ذاتها، وكنزها الحقيقي هو الخبرات البشرية وفريق عملها، ونجاحها هو نجاح أعضائها جميعًا.

رسالة حورية في هذه الحياة هي تحقيق كلمة "تمكين" وأن تكون جزءًا من المجتمع المحلي المتكامل. ورسالتها للمرأة أن "لأنك أنت، ولأنك تستحقين، عليك المتابعة". حورية التي غيّرت نظرة المجتمع وساهمت في تغيير هذه النظرة، وتركت أثرًا لا يُنسى في نفوس نساء الكورة، وفي نفس كل امرأة طموحة تواجه الصعاب وتستمر في السعي، مهما كانت الظروف صعبة ويبدو فيها النجاح مستحيلًا.

وأسمى رسالة تكتبها لابنتها التي كافحت لأجلها كثيرًا: "لِابنتي، أنتِ قطعة من القلب، كوني أنتِ، سقف طموحك يصل إلى عنان السماء لجيل واعد في بلد الخير".

ولكل بنات الأردن المكافحات، اللواتي تركت حورية أثرًا في نفوسهن في قصتها، قصتها التي تتكون منهن ويتكونن منها، وكل الأثر الذي صبغته في نفوسهن وصبغن جزءًا في نفسها.

للكاتبة: نور عويدات