مبروك للفائزين!الجامعات
شكرًا على مشاركتكم. أنتم أبطالنا!
الأردن|الجامعات
ما بين التضحية وحب الوطن
Aws Ghnaimat
تأليف Aws Ghnaimat
ما بين التضحية وحب الوطن

في إحدى ليالي ديسمبر الباردة في شتاء عام ٢٠١٣م ، كنت جالساً بمفردي في دار جدِّيِّ ألعب بمجسمِ سيارةٍ ، لاحظت جدي جالساً بمفرده يداعبُ خِصال شعر لحيته البيضاء المنفجرة بالشيب أحياناً، وأحياناً يداعب شماغه المهدَّب
بالأحمر بالأبيض من الضجر ، ذهبت إليه منطلقاً كالأسد وقلتُ له بصوتٍ عالٍ :
ما رأيك بأن تقصَّ عليَّ إحدى رواياتك المثيرة ؟ لطالما كانت روايات جدي تثير تفكيري وتشغله في التفكر في معاني الحياة.
قال لي :
بكل سرورٍ لكن هذه المرة سأكون أنا بطل الرواية لن أخترع روايةً وهميةً لك.
بدأت القصة عندما وُلِدتُ عام ١٩٣٨م في مدينة السلط ، ظللت أتلقى العلوم الأساسية في المدرسة لغاية الصف الثالث إعدادي ،التحقتُ بالجيش العربي بعدها لكي أكون مصدر دخلٍ ثان ٍالعائلة، إنه لشيءٌ صعبٌ أن تترك دراستك من أجل مشاكلٍ يجب عليك التكيف معها.

شَهِدت حرب النكبة التي حدثت في الـ ١٩٤٨ ،ولم أقدر على فعل شيءٍ ، رأيتُ كيف كان اليهود يتدفقون كالماء نحو الأراضي الفلسطينية طالبين النجدةَ منهم بعدما تم إبادتهم في البلاد الغربيّة، رأيت كيف استطاع أخوتي في الجيش العربي الحفاظَ على أراضي الضفة الغربية التي لطالما تساءلت دوماً عن ماهية مناظرها الطبيعية .
بعد مضي سنواتٍ و سنواتٍ من التدريب والخدمة العسكرية في الجيش التي اكتسبتُ بها جميع المهارات اللازمة للبقاء، تفاجأنا بنمو طاغوت الإسرائيليين حينما قررّو شنَّ هجماتٍ مباغتةٍ على كل من الأردن، وسوريا ، ومصر عام 1967.الأمر الذي أحرق قلبي ، وبسبب غياب التنسيق الموحد بين القادات العربية الثلاثة، استطيع اليهود أن يحتلّو كل من هضبة الجولان،وسيناء ،وقطاع غزة ،والضفة الغربية. عاشَ العرب وأنا منهم وقتها بحالة من اليأس وقلة الحيلة .
فحاول اليهود أن يكملو مسيرتهم في الخراب بعد سنةٍ من حرب 1967 حينما قرروا في الساعة الخامسة والنصف من صبيحة يوم الخميس في ٢١ / آذار / ١٩٦٨ م بأن يشنّوا هجوماً مفاجئاً على الأراضي الأردنية، بهدف تدمير الجيش العربي واحتلال المرتفات الغربية من الأردن ، كنتُ وقتها مطالباً بحماية المرتفعات الجبليّة في مدينتي العزيزة - السلط - ، حاصرناهم من فوق الجبال ،كالحيوان المفترس الذي يحاصر فريسته الخائفة، أضطرّوا بأن يطلبو وقف اطلاق النار لأول مرة ،لكن الملك الحسين بن طلال - رحمه الله - رفض رفضاً قاطعا و آمرنا بأن نكونَ أولي بأسٍ شديدٍ ضد كل اليهود حتى يخرجوا منها،وهذا ما حدث فعلاً . عشت حالةً من الفرحة بعد انتصارنا عليهم وتحطيم المقولة المشهورة عنهم (الجيش الذي لا يقهر ) .

بعدها وبالتحديد عام ۱۹٧٣م، قرر أخواننا في مصر وسوريا شنَّ هجوم ٍعسكريٍّ على إسرائيل لاستعادة حدود ما قبل ال 1967، الأمر الذي يتطلب منّا كأردنييّن ومسلمين مساعدتهم في تحقيق غاياتهم ، كنتُ وقتها منوَّطاً بمحاولة صك دفاعاتهم التي في الضفة الغربية، نجحت مصر وسوريا في استعادة حدودها كما قبل ال 1967,لكن اشتدّت أهوال الموقف هنا ، حاصرونا في الضفة الغربية بشكلٍ مهولٍ ، لم نستطع التنفس بسهولة، امتدَّ هذا الحصار لأكثر من أربعة أشهرٍ، حينها كان يعتقد أهلي بأنّي انتقلت إلى رحمة الله وفتحو لي بيت عزاء ، لم يعرفوا أن الله مع الصابرين إذا صبَّروا ، تمكنتُ وأخيراً بالخروج من الضفة والعودة لأهلي حيث صعِّقوا عندما رأوني واستقبلوني بالورود.

تقاعدتُ من الجيّش عام 1977 ، برتبة ملازمٍ ثانٍ، أمضيتُ ما يقاربُ العشرينَ عاماً في الجيش . تقاعدتُ من الجيش بعد مرور العديد من اللحظات الدمويَّة التي غيرت في حياتي ،وبعد كل أصوات طلقات العيار الناري، والمقذوفات من المدافع والطيارات الحربيّة فقدتُ ما يقارب ال ٨٠% من قدرتي على السمع .
عملتُ بعد تقاعدي من الجيش في مصنع الاسمنت في الفحيص ،الأردن لما يقارب الـ .٢ عاماً آخرى، هي الآخرى كانت مليئة بضجيج الآليات التي أيضاً أثرت على قدرتي على السماع .
وهكذا، لكلِّ قصةٍ جميلةٍ نهاية ، ها أنا ذا ،أصبح عمري ما يقارب ال 70 سنة ونيِّف ، محمَّلاً بذكرياتٍ و قصصٍ أرويها إلى أحفادي ، أعاني من مشاكل في السمع لكنّ الحمدلله على كل شيء ، إنّه لشعورٌ جميلٌ أن تخدم الوطن وتحميه بعينيك،لطّالما كان هذا هدفي؛ أن تدوم نعمة الأمن والأمان على وطننا الحبيب الأرّدن،وما أجمل أن تقطف ثمار تعبك وأن تزال هذه النعمة موجودة.