
مقدمة :
تعد شخصية مشهور حديثة الجازي من الشخصيات البارزة في التاريخ العسكري الأردني، إذ لعب دوراً كبيراً في تعزيز قوة الجيش الأردني وإبراز كفاءته في العديد من المحطات الهامة من تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية. إذ تحمل سيرة هذا القائد الكثير من الدروس والعبر التي يمكن استلهامها، كما أصبحت مصدر فخر للأردنيين والمحبين للتاريخ العسكري العربي.
النشأة:
وُلد مشهور حديثة الجازي في عام 1928 في منطقة معان بجنوب الأردن. نشأ في بيئة صحراوية تحتضن القيم البدوية الأصيلة التي تعتبر الكرم والشجاعة والأمانة والولاء أركانها الأساسية. ترعرع مشهور بين أبناء قبيلته وتربى على حب الوطن والدفاع عن أراضيه ضد أي عدوان.
انضمامه للجيش:
التحق مشهور حديثة الجازي بالجيش العربي الأردني في مطلع شبابه، وتحديداً بعد الانتهاء من دراسته الثانوية. كانت بداية مسيرته العسكرية كمجند ينفذ الأوامر، لكنه أظهر قدرات قيادية ومهارات تكتيكية غير اعتيادية. بفضل كفاءته العالية ومهاراته المتنوعة، تدرّج في الرتب العسكرية بشكل سريع، حيث كان له دور في تطوير الخطط وترسيخ القيم العسكرية الحديثة داخل الجيش الأردني.
معركة الكرامة:
وقعت معركة الكرامة في 21 مارس 1968، في غور الأردن بالقرب من قرية الكرامة، وهي إحدى المعارك المفصلية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. مثّلت هذه المعركة مواجهة مباشرة بين الجيش العربي الأردني وقوات الاحتلال الإسرائيلي التي شنت هجومًا بهدف التوغل في الأراضي الأردنية والقضاء على المقاومة الفلسطينية المتمركزة في تلك المنطقة.
بدأت المعركة بعدد من الاعتداءات الجوية، ثم العبور البري للدبابات والقوات الإسرائيلية عبر نهر الأردن عند ساعات الصباح الباكر. كان الهدف الإسرائيلي دفع الفدائيين الفلسطينيين خارج المنطقة وتحقيق نصر سياسي وعسكري لرفع معنويات الجيش الإسرائيلي بعد نكسة عام 1967
الخطة الأردنية والدور القيادي للجازي:
قاد مشهور حديثة الجازي القوات الأردنية في هذه المعركة بخطة تكتيكية دقيقة. اعتمد الجازي على المعلومات الاستخباراتية، واستغلال الجغرافيا الوعرة للمنطقة، واستخدام تكتيكات الكر والفر. قرر الجازي جعل المواجهة قاسية من خلال استدراج القوات الإسرائيلية إلى ميدان معركة مفتوح حيث يمكن للمدفعية ووحدات المشاة الأردنية أن تُلحق الضرر الأقصى بالمهاجمين.
نجحت الخطة حين صمدت القوات الأردنية أمام الهجوم وتشبثت بمواقعها، بينما أطبقت سلاح المدفعية الأردني قصفًا مركزًا ومكثفًا على آليات العدو، مما أسهم بشكل كبير في تعزيز الروح المعنوية للجنود الأردنيين وأربك القوات الإسرائيلية وأجبرها على الانسحاب بعد تكبدها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
أثر المعركة على الجيش الأردني والنصر العربي الأول:
كان انتصار الكرامة نقطة تحول هامة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ومصدر فخر كبير للجيش الأردني، إذ أعاد الأمل والكرامة للعرب بعد نكسة 1967. كانت هذه المعركة أول نصر عربي ملموس ضد الجيش الإسرائيلي منذ تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948، وأظهرت قوة وصلابة المقاتل العربي.
عززت معركة الكرامة من ثقة القوات المسلحة الأردنية في قدراتها، وأثبتت الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه الجغرافيا في سير ونتائج المعارك إذا ما أُحسن استغلالها. كما كانت سبباً في تكوين مشاعر الوحدة والاعتزاز الوطني في العالم العربي، حيث تم تأريخها كنموذج لتحرك عربي موحد وناجح في مواجهة العدوان. تم تكريم الجنود والضباط المشاركين في المعركة، مشيدين بدور مشهور حديثة الجازي في تحقيق النصر.
قصته مع الملك حسين:
تميزت علاقة مشهور حديثة الجازي بالملك الحسين بن طلال بالتقدير والاحترام، لكنها شهدت أيضاً لحظات من التحدي والاختلاف في الرأي في أوقات الحسم. واحدة من القصص التي بقيت عالقة في الأذهان هي تلك اللحظة التي رفض فيها الجازي الانصياع لأوامر انسحاب القوات الأردنية خلال معركة الكرامة، وذلك وسط ضغوط سياسية دولية كانت تمارس على القيادة الأردنية من أجل تقليل التصعيد العسكري.
كان الملك الحسين حينها يتعرض لضغوط كبيرة من المجتمع الدولي بشأن التصعيد العسكري في الكرامة، وتلقى نصائح بسحب القوات الأردنية لتجنب استفزاز أكبر قد يؤدي إلى عواقب دبلوماسية أو عسكرية غير محسوبة. ومع ذلك، وقف مشهور حديثة الجازي موقف الثبات ورفض الانسحاب، معللاً قراره بأن القوات الأردنية في وضع قوي ويمكنها التصدي للهجوم وتحويل المعركة إلى فرصة للنصر.
أظهر الجازي بقراره الحكمة والشجاعة التي يتحلى بهما القائد العسكري الميداني ذو النظرة الثاقبة، مدركاً أن الميدان له اعتبارات تختلف عن الآراء السياسية التي قد تخضع لضغوط خارجية. وقد أظهر ذلك أن القرار في أرض المعركة غالباً ما يحتاج إلى رؤية مختلفة، تعتمد على الحقائق العسكرية والقدرة على اتخاذ قرارات حاسمة تحت الضغوط.
وعلى الرغم من التوترات التي ربما نتجت عن هذا القرار، إلا أن النتيجة أثبتت صواب رأي الجازي، حيث تمكن الجيش الأردني من دحر القوات المهاجمة وتحقيق نصر تاريخي، مما أكسب القائد احتراماً مضاعفاً من الجميع، بما في ذلك الملك الحسين الذي أعرب لاحقاً عن إعجابه بصلابة الجازي ووضوح رؤيته في أصعب المواقف.
النضال عبر السنوات:
استمرت روح المقاومة والنضال في عائلة الجازي من جيل إلى جيل، حيث لم تتوقف المشاعر الوطنية على مر السنين. إذ إن إرث مشهور حديثة الجازي في القتال من أجل الوطن وزرع القيم الوطنية جعل منها عائلة تفتخر بتاريخها وتناسبت مع الأوضاع المتغيرة في المنطقة.
تنتقل روايات الشخصية الفذة في عائلة الجازي عبر الأجيال، حيث عُرف الأبناء والأحفاد بحبهم للوطن ورفضهم للاحتلال، متمسكين بالمبادئ التي غرسها جدهم. عبر السنوات، استمروا في تعزيز روح النضال من خلال نشاطات مجتمعية وسياسية، تفعالوا مع القضايا الوطنية بشكلٍ عام ومع القضية الفلسطينية بشكلٍ خاص.
ومؤخراً، جرت أحداث مؤلمة تعكس هذه الروح الوطنية المتجددة. في أحد الأيام، قام أحد أحفاد مشهور الجازي بتنفيذ عملية جريئة على جسر الملك حسين، حيث قام بقتل ثلاثة إسرائيليين. وقد عكست هذه العملية الرغبة العميقة في الثأر والمقاومة، حيث اعتُبرت بمثابة رد فعلٍ على التحركات الإسرائيلية المستمرة ضد حقوق الفلسطينيين.
تعتبر تلك العملية جزءًا من صراع مستمر يعاني منه الشعب الفلسطيني والأردني، كما تعكس الوضع المتأزم الذي يفضل الجيل الجديد من أبناء الجازي مواجهته. وقد تسببت هذه الحادثة في إثارة جدل واسع النطاق في المجتمع الأردني والعربي، حيث تم تناولها بين مؤيد ومعارض، مما أعاد إيالة التركيز على الموضوعات الرئيسية، بما في ذلك حق الشعوب في المقاومة والدفاع عن أراضيهم.
إن الروح التي اتسمت بها هذه الأسرة تُظهر كيف يتجلى النضال العائلي عبر الزمن، وأن الأجيال الجديدة لن تنسى الإرث الذي تركه الأسلاف، بل ستواصل السير على الدرب نفسه، متمسكين بالعدالة والكرامة. تجسد هذه الديناميكية النضال المستمر للأسرة، وتجعل من قصة الجازي رمزية لمقاومة الظلم والاستمرار في الكفاح من أجل الحق، حيث تظل الراية مرفوعة على مر السنين.
انعكاسات المقاومة على فهم السياسيين الإسرائيليين:
تُظهر الأحداث الأخيرة، مثل عملية أحد أحفاد مشهور الجازي على جسر الملك حسين، أن الوعي الوطني الأردني والمقاومة متجذرة في الوجدان الأردني، على الرغم من الاختلافات السياسية مع القيادة الأردنية. تعكس هذه الحقائق تداعيات عميقة على كيفية فهم السياسيين الإسرائيليين للوضع في الأردن.
أولاً، يُدرك السياسيون الإسرائيليون أن حالة المقاومة ليست مجرد استراتيجية مؤقتة أو رد فعل على ممارسات الاحتلال، بل هي جزء من الوعي الجمعي للأردنيين. فهذه العمليات تعكس أن قضايا الحقوق والمقاومة ضد الاحتلال ليست مجرد قضية أفراد، بل عبارة عن تجمع عاطفي واجتماعي يمتد على مر الأجيال ويؤثر بشكل كبير على الشعور القومي الأردني.
ثانيًا، تبرز هذه الديناميكية الفجوة بين المواقف الرسمية للحكومة الأردنية والتوجهات الشعبية في الأردن. في حين تسعى القيادة الأردنية إلى الحفاظ على علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، تُظهر هذه الحوادث أن الجماهير الأردنية ما زالت تحتفظ بحقها في المقاومة، مما يمثل تحديًا حقيقيًا لإسرائيل.
علاوة على ذلك، تعتبر هذه المقاومة بمثابة تحذير للقيادة الإسرائيلية، حيث تشير إلى أن أي انتهاكات مستمرة لحقوق الفلسطينيين قد تؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة. وبالتالي، يُدرك السياسيون الإسرائيليون أن تجاهل مشاعر الأردنيين وخياراتهم قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات ويعوق المصالح الإسرائيلية على المدى الطويل.
كما أن هذه المقاومة القوية تولد ضغطًا شعبيًا متزايدًا على القيادة الأردنية. فإذا استمر الإحساس بالمقاومة بين الأجيال القادمة، فقد يؤدي ذلك إلى تقارب أكبر بين الموقف الشعبي وتوجهات الحكومة، مما قد يؤثر على القرارات السياسية الخاصة بالأردن تجاه إسرائيل.
وأخيرًا، يُعلمنا التاريخ أن الحملات العسكرية التقليدية غالبًا ما تفشل في مواجهة شعوب تتمتع بإرادة قوية للمقاومة، حتى أمام القوى الكبرى. لذا، قد يبدأ قادة إسرائيل في إدراك أن السياسة المتنامية للعنف لن تحقق الأمن على المدى الطويل، بل ستؤدي إلى تعميق الأزمات وتأجيج مشاعر المقاومة.
بعض المصادر التي خلقت هذا التوجه:
1) مقابلة الشاعر تميم البرغوثي ضمن بودكاست "أثير" التابع للجزيرة: تتناول هذه المقابلة العديد من القضايا السياسية والاجتماعية التي ترتبط بالواقع العربي، حيث يعبر البرغوثي عن رؤيته للشأن الفلسطيني والعربي، مما يساهم في تشكيل وعي شعبي يرتبط بالمقاومة.
2) قراءة كتاب "فرصتنا الأخيرة" للملك عبد الله الثاني: يطرح الكتاب رؤى الملك حول التحديات التي تواجه الأردن وفلسطين، ويعكس التوجهات السياسية للأردن في مجابهة التحديات الإقليمية والدولية، ما يعزز من فهم السياسيين لقضايا الصراع .
3) قراءة السيرة الذاتية للملك حسين: تقدم سيرة الملك حسين رؤى قيمة حول استراتيجيات الحكم والتحديات التي واجهها الأردن في فترة حكمه، وخصوصًا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومدى تأثيرها على السياسات الأردنية.
4) قراءة "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" لعبد الله المسيري: تتناول هذه الموسوعة الجانب التاريخي واللاهوتي والاقتصادي لقضية الصهيونية وطبيعتها، مما يوفر فهماً معمقاً لحقائق الصراع ويدعم المقاومة الشعبية.
5) قراءة السيرة الذاتية لمشهور حديثة المجالي: بشكل خاص، تقدم تجارب المجالي في الحرب ومواقفه من الأحداث السياسية والجغرافية أسساً صلبة لفهم المقاومة واستمرارها عبر الأجيال.
6) مراجعة بعض المقابلات، من أهمها مقابلة المذيع أحمد منصور مع مشهور حديثة الجازي ضمن برنامج "شاهد على العصر": تعكس هذه المقابلة التجارب التاريخية والتصورات حول المقاومة والموقف الأردني، مما يسلط الضوء على أهمية المقاومة في الوعي الجمعي الأردني.
7) تسجيل كلمة تميم البرغوثي في بداية حرب غزة: حيث أطلق البرغوثي حديثه حول أهمية تحرير فلسطين وشجع على المقاومة، مما ساهم في تعزيز الحراك الشعبي حول القضية.
خاتمة:
قدمت حياة مشهور حديثة الجازي مثالاً نادراً في الشجاعة والقيادة والإخلاص للوطن. تمثل أعماله إنجازات تاريخية تعكس الروح القتالية والتصميم على حماية الأردن. بعد تقاعده من العمل العسكري، استمر مشهور في خدمة بلاده من خلال العديد من النشاطات التي ساهمت في بناء المجتمع وتمكين الشباب. من خلال دراسة حياته، نجد نموذجًا يُحتذى به لكل من يسعى لخدمة وطنه بإخلاص وتفانٍ، ونأمل أن تستفيد الأجيال القادمة من إرثه في قيادة الوطن نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.